وابن سينا - كأرسطو - يقسم الحركة إلى طبيعية ونفسانية، فالحركة الطبيعية مثالها حركة التنقل وهي التي تجذب الأجسام بالطبيعة إلى مركز العالم أو مركز الكرة الأرضية، ومن لوازم هذه الحركة أنها تطلب شيئا وتهرب من شيء، وليست الحركة المستديرة - أي حركة الفلك - من هذا القبيل، فإن كل نقطة مطلوبة ومهروب منها، فهي حركة نفسانية أو هي حركة عقول، ويدل على أن الحركات الفلكية حركات عقول - غير الدليل المتقدم - أنها لا تتناهى وإن كل جسم فله نهاية فكل حركة من جسم فلا بد لها من نهاية.
ومذهب ابن سينا في الكائنات العلوية أنها عقول وأنها ذات إدراك، وذات خيال، وهو بهذا يخالف الإسكندر الأفروديسي؛ لأن الإسكندر يرى أن الخيال منوط بتخيل الأشياء لطلب السلامة منها، وأن الفلك خالد لا يقبل العطب والفساد، ولا حاجة به إلى الخيال.
لكن العقول العلوية في مذهب ابن سينا قريبة من ترتيب العقول في مذهب الإسكندر الأفروديسي واتباع أفلوطين، وهم يلجئون إليها لتفسير وجود الكثرة من الواحد الذي لا يتعدد: وهو الله.
فالمحرك الأول قد صدر عنه محرك الفلك الأعظم، وهو العقل الأول.
والعقل الأول صدر عنه الفلك الأعظم والعقل الثاني.
وهكذا إلى العقل التاسع، ثم العقل الفعال وهو العقل العاشر الذي يسيطر على العالم الأرضي وما تحت فلك القمر، وعنه تصدر النفوس والأجسام في عالم الإنسان.
وكل عقل تصدر عنه نفس تناسبه في الشرف والتنزه عن المحسوسات.
فالواجب الأول يوحي إلى العقول، والعقول توحي إلى النفوس، والنفوس تؤثر في الأجرام العلوية، وهذه تؤثر في الأرض أو فيما تحت فلك القمر.
وهكذا تكون حركة الفلك حركة عقل يشتاق إلى مصدره الأول.
بل تكون كل حركة شوقا إلى مصدرها وصعودا إلى المصدر الأول وهو الله جل وعلا وتنزه عن الشركاء والأنداد.
Shafi da ba'a sani ba