وهي بحقيقتها صحيحة خالدة.
وهذه «الحقيقة» هي لب لباب الفلسفة الأفلاطونية، لأنه يميز بها على طريقته الخاصة بين موجودات الحس والموجودات «المعقولة» التي تتمثل للعقل ولا تتمثل للإحساس.
فكل ما يقع عليه الحس فهو في رأي أفلاطون وهم باطل أو محاكاة للحقيقة الخفية، أو محاولة لإبراز معنى من المعاني المستورة.
ومثال ذلك هذا الشجر الذي نراه: فهذه الشجرة مثمرة، وهذه الشجرة ذابلة، وهذه الشجرة خضراء، وهذه الشجرة يابسة، وهذه سامقة، وهذه قاصرة، وكل منها فيه نقص عن الشجرة المثالية التي لا نقص فيها، فأين هي هذه الشجرة المثالية؟ هي في عالم المعنى أو في عالم العقل. وهي وحدها التي لها وجود صحيح لا يعتريه التبدل ولا تصيبه عوارض الزمان ولا يزال قائما في العلم الإلهي تحكيه الأشجار المحسوسة وتتبدل وتزول وهو منزه عن التبديل والزوال.
وهذه الحقائق المعنوية هي التي يسميها أفلاطون بالصحائح أو المثل، وقد تعرف عند المناطقة بالكليات
Universals
وتقابلها الجزئيات
وهي هذه الموجودات الباطلة في رأي أفلاطون.
ومن عادة أفلاطون أن يعزز آراءه بالأمثلة والأساطير التي تقربها إلى تلاميذه، فهو يضرب المثل للدنيا وحقائقها وموجوداتها بكهف يقيم فيه الناس وهم مقيدون يستقبلون فيه جدارا لا يتحولون عنه، ووراءهم نار تعكس الظلال من خارج الكهف على ذلك الجدار. فالأشباح التي يرونها على الجدار هي هذه الموجودات أو هذه الجزئيات التي تحكي الحقيقة وليست هي بها، وإن كانت تحكيها ... أما الصور الصحيحة فلن يراها الناظر إلا إذا أطلق نفسه من قيود ذلك الكهف وخرج منه إلى النور. ومعنى ذلك أننا محبوسون في كهف الجسد لا نرى من الحقائق إلا أشباحها المحاكية لها، فإذا خلصنا من ذلك الحبس إلى عالم «العقل المجرد» فهناك الحقائق الخالدة التي لا تتوقف على المكان ولا تمسها عوارض الزمان، ولا يصيبها النقص والتبديل كما يصيب الأشباح المتراقصة على الجدار المطوي في الظلمات.
والعقل المجرد الذي يدرك هذه الحقائق أرفع قدرا من الفهم الذي يدرك المعلومات الملابسة للأجساد، فهما عقلان لا عقل واحد في الإنسان، أو هما نفسان إحداهما أقرب إلى التجريد والأخرى أقرب إلى التجسيم.
Shafi da ba'a sani ba