ولا ننسى ونحن نلخص أقوال أفلاطون في الله والعالم أن فكرة التوحيد كما نعرفها الآن في عقائد الأديان لم تكن معروفة على عهد ذلك الفيلسوف، وأن العالم وحده كان هو الواقع الماثل أمام الحس والعقل والخيال، وكل ما عداه فهو استخلاص وتفسير يجتهد فيه كل مجتهد بما يراه، ولا يسلم في اجتهاده من أثر العقائد الوثنية والكهانات الخرافية والتقديرات العلمية التي كانت تحدق يومئذ بالمفكرين وغير المفكرين.
فليس لنا إذن أن ننتظر من أفلاطون فكرة واضحة عن توحيد الله كما وصفته الأديان الكتابية بعد عصره، وإنما كان يتكلم عن الله تارة وعن الآلهة تارة أخرى. ولا يفرض وجود إله واحد يفوق هذه الآلهة جميعا إلا من قبيل القياس العقلي، الذي يقضي بتفضيل الأفضل فالأفضل ثم اجتماع الفضيلة العليا في واحد لا يتعدد، وهو إله الآلهة ورب الأرباب.
واسم الله في اليونانية هو ثيوس
Theos
أو زيوس كما شاع في اللغات الأوروبية ... وتفسير أفلاطون للكلمة يدل على إدراكه لفكرة الله في أصلها الأصيل. فهو يزعم أنها مأخوذة من ثيو
Theo
بمعنى «أنا أجري أو أتحرك» في اللغة اليونانية. فالمادة بحاجة إلى من يحركها ويعطيها الحياة وليست بحاجة إلى من يخلقها في نظر أفلاطون، وهي من ثم بحاجة إلى الله.
فالله هو محرك المادة ومخرجها إلى هذا النظام الذي نراه في السماوات والأرضين. والله - لأنه عقل - لا يوجد مادة بل يوجد عقلا تستمد منه المادة الحركة والإدراك وتندفع به في معارج الكمال.
والله خير محض فلا يصدر منه إلا الخير، ولا يخلق إلا الخير، وإنما الشر الذي يقع في الكون من خلق الأرباب التي تسمى بالأرباب المخلوقة، ومن نقص المادة وهي تحاول الارتفاع إلى مرتبة الكمال، أو إلى مرتبة العقل المجرد؛ لأن الله منعم جواد منحها الشوق إلى الكمال. فهي أبدا في اشتياق إليه، وهي أبدا صاعدة متسامية كلما اتجهت من التجسد إلى التجريد.
وهي بظواهرها باطلة متغيرة.
Shafi da ba'a sani ba