وقد علم الرسول - صلوات الله عليه - ما يساور النفوس من وسوسة وإلقاء بسوء؛ فقفل باب الجدل والتأويل والبحث والنظر في هذه الصفات ومدلولاتها، فأوصى أصحابه بقوله: «تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا.» وفي رواية أخرى: «تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله.»
تلك وصية إمامنا الأعظم - صلوات الله عليه، ومع هذا فقد أراق المسلمون من المداد حول صفات الذات ، وحول التجسيم والتنزيه، وما إلى التجسيم والتشبيه والتنزيه من صفات ونعوت؛ طوفانا أغرق الأمة الإسلامية، وما نظفت أثوابها بعد من سواده، ولا طهرت من آثاره.
فقد شهد العراق والشام والحجاز، صياحا من الشيعة والرافضة، بأن اليد والجسم والأعضاء التي وردت في القرآن لله - سبحانه وتعالى - هي نعوت حقيقة لأعضاء جسدية ربانية. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
وشهدت العواصم الإسلامية، بل والقرى والكفور، بعض رجال الحديث يقولون: «إن الله - سبحانه - ينزل إلى السماء الأولى في ليلة النصف من شعبان، كنزول من ينزل من السلم من درجة إلى درجة.»
2
وجاء المعتزلة، فتنادوا بتنزيه الله - سبحانه - عن تلك الصفات، وأخذوا يصرفون كل ما يفيد التجسيم إلى المعنويات، أو إلى صفات أخرى تليق - في زعمهم - بالله سبحانه، كقولهم: الاستواء على العرش، بمعنى الاستيلاء واليد بمعنى القدرة، وهكذا.
أو كما يقول محيي الدين: «إن المعتزلة والأشاعرة أيضا، تخيلت أنها لما تأولت قد خرجت من التشبيه الذي تعيبه على المجسمة، وهي ما فارقته إلا أنها انتقلت من التشبيه بالأجسام إلى التشبيه بالمعاني، المحدثة المفارقة للنعوت القديمة في الحقيقة والحد.»
وجاء ابن عربي، والجدل في عنفوانه والحوار مستعر الأوار في العالم الإسلامي بين شتيت الفرق والمذاهب، حول صفات الذات، بين المجسمة والمشبهة والمنزهة؛ فأرسل صيحة جبارة ببطلان كل هذه الآراء وخروجها عن صراط الدين السوي المستقيم، وبضرورة الرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح من: إيمان وتسليم بكل ما ورد في القرآن كما ورد، وكما وصفه الله - سبحانه؛ لأن المجسمة قد ألحدوا؛ إذ أثبتوا لله - سبحانه - صفات كصفات البشر تفيد المشابهة، وهو - تعالى - ليس كمثله شيء.
والمنزهة من المعتزلة والأشاعرة، قد أولوا تلك الصفات، وحملوها معاني ارتضتها عقولهم؛ فنجوا من التشبيه المجسد ليقعوا في التشبيه المعنوي، ثم هذه الصفات المعنوية التي ابتدعوها، أليس من الجائز أن تكون خاطئة؟ والعقل يصيب ويخطئ، فإذا كانت خاطئة، فقد نسبوا لله - تعالى - ما لم يقله.
يقول محيي الدين: «اعلم أن الخير كله في الإيمان بما أنزل الله، والشر كله في التأويل، فمن أول فقد أحرج إيمانه، وما كان ينبغي له ذلك، وفي الحديث: «كذبني عبدي، وما كان ينبغي له ذلك.» فلا بد أن يسأل كل مؤول عما أوله يوم القيامة، ويقول له - تعالى: كيف أضيف إلى نفسي شيئا فتنزهني عنه، وترجح عقلك على إيمانك، وترجح نظرك على علم ربك؟! فاحذر يا أخي أن تنزه ربك عن أمر أضافه إلى نفسه على ألسنة رسله؛ فإن العقل يخطئ في الإلهيات فلا يعول عليه.» ثم يقول: «ومن العجيب أن الإنسان يعتمد على عقله في أن يقلد ربه صفات، ولا يأخذ بما أخبر عن نفسه - تعالى - في كتابه وسنة نبيه؛ فهذا من أعجب ما طرأ في العالم من الغلط، وكل صاحب فكر أو تأويل فهو تحت هذا الغلط بلا شك.
Shafi da ba'a sani ba