وقد وقفنا بقوم من أهل الله ممن التبس عليهم هذا المقام، والتبست عليهم الواردات؛ فشطحوا وتفاخروا، فابتعدوا عن ربهم، فإنه لا يكون الشاطح عند شطحه وليا لله أبدا.»
ذلك هو الرأي الفيصل لمحيي الدين في الكرامات المادية، والمتفاخرين من الشاطحين، الذين لغوا في محاريب العبادة بما لا ينبغي.
وما كان محيي الدين، ولا ينبغي أن يظن به - إذا حدثنا عن فتوحاته ومقاماته - ظن السوء، من دعوى الغرور والتباهي؛ فهو إنما يتحدث للعلم والإرشاد، وليضع يبن أيدينا تلك الكنوز التي تفيض بها كتبه، ويزخر بها تراثه.
وإذا أكمل لمحيي الدين بعروجه في تلك المقامات ما قدر الله له من منح وهبات؛ فقد آن له أن يتنقل في آفاق العالم الإسلامي هاديا إلى الله بالطيب من القول والعمل، ومبشرا بآياته، بالرائع من الحجة والبرهان، وسراجا وهاجا يرشد إلى النجاة، كما يرشد إلى الإيمان.
محيي الدين وملك المغرب
وكما جابت أفكار محيي الدين آفاق السماء، وتنقلت في أبراجها، كذلك كانت حياته، رحلات وتنقلات في جنبات الأرض، مطوفا وزائرا وعابدا ومقيما.
وكان سنن العلماء في هذا العصر التنقل والتطواف في رقعة العالم الإسلامي العظيم، المتحد الممتد من أوروبا إلى هضاب الصين وسهول الهند.
كان العلماء يتلاقون ويتجادلون، ويأخذ بعضهم من بعض ما درس وتعلم وحفظ، ويفضي بعضهم إلى بعض بما منح وأعطي.
وكان العالم الإسلامي يقود الدنيا ويفرض عليها سلطانه بسيوفه ورماحه، وبعلومه وآدابه، وكشوفه الفنية والروحية، كما كانت تغلي في باطنه أحداث جسام بعيدة الأثر في حاضره وغده، بل في حاضر العالم كله وغد الإنسانية بأسرها.
كان الصليبيون يقرعون أبواب الشرق الأوسط، ويتصارعون مع فرسان مصر وأبطال الأيوبيين على ثالث الحرمين وأولى القبلتين.
Shafi da ba'a sani ba