3
ولا تنفصل وظيفة الكاهن ووظيفة الساحر في مبدأ الأمر، فالكاهن الذي يقوم بمراسم العبادة، هو الساحر الذي يدفع أذى الأرواح والأطياف ويستجلب رضاها، ويسخرها في المآرب التي يختارها، ثم ينفصلان شيئا فشيئا، فيصبح عمل الكاهن غير عمل الساحر، أو يجمع الرجل الواحد بين الوظيفتين، ولكنهم يقصدونه لكهانته في أغراض معلومة، ويقصدونه لسحره في غير تلك الأغراض.
والغالب أن السحر يراد لمصلحة خاصة أو لإلحاق الضرر ببعض الأعداء، ويعمد فيه الساحر إلى الوسائل الخبيثة، ولا يكون عاما شامل النفع في جميع الأحوال، وتستخدم فيه أرواح منقطعة للأذى والضرر تعودت أن تتآمر على النكاية والنقمة، وأن تستجيب لمن يؤدي لها الأجر، ويتقدم لها بمراسم الشعوذة والأعمال الخفية.
ويلاحظ أن الكاهن قد يكون رئيسا للقوم وكاهنا يؤمهم في الصلاة والعبادة في وقت واحد، ولكن الساحر لا يصل إلى هذه المكانة إلا أن يكون السحر عملا مضافا إلى الكهانة، أو فرعا من فروعها التي لا ترتقي إلى مرتبة الصدارة.
ويلاحظ كذلك أن السحرة مشوهون أو مصابون بالآفات، وأن أدوار النساء العجائز بينهم شائعة غير مهملة، وكلهم بين رجال ونساء غير أهل لحياة القوة والصلابة والمتعة والظهور، وكأنما السحر لديهم عوض عن نصيب مفقود.
وليست الكهانة على الجملة من هذا القبيل، فإن الكاهن قد يكون من أقدر الناس على الجد والوجاهة والمتعة بالرغد والملذات.
ويسبق إلى الظن أن السحر والكهانة كلها خداع في خداع من تلفيق السحرة والكهان، ولكنه ظن خاطئ غير معقول؛ لأن السحرة والكهان على اتصافهم بالذكاء والدهاء قد نشئوا بين أقوام توارثوا العقائد، واحتفظوا بكثير من العادات التي توهموا أنها كانت نافعة لمن قبلهم وأنها تنفعهم اليوم إذا أحاطوا بعلمها وحذقوا تجاربها، وربما لام الساحر نفسه إذا قصر في بلوغ ما يطلبونه منه، واجتهد في علاج ذلك القصور بتكرار التجربة أو سؤال الأقدمين الذين سبقوه في الصناعة، وهو بطبيعة عمله لا يستغني عن الخداع والتلبيس في معاملة قومه، ولكنه لم يكن قط خادعا في كل شيء، ولا يزال خادعا مخدوعا في جوهر السحر كله، وهو الإيمان بفعل الطلاسم وقوة الأرواح.
وكلما انفرجت المسافة بين وظيفة الدين ووظيفة السحر ترقى الإنسان الفطري من فوضى الأرواح والأرباب، ونبذ التسوية بينها، وتعود التفرقة بينها فيما يطلبه منها؛ فمنها ما يقصده للنفع كما يقصده جميع أبناء القبيلة، ومنها ما يقصده ليتواطأ معه على الإجرام والنكاية كأنه بعض الشطار الذين يعيشون اليوم بتأجير أنفسهم للنكاية والعدوان.
ويحدث في هذا الطور من التمييز بين الأرواح والأطياف أن تعرف بأسماء، وتوسم بملامح، وتتلبس «بشخصيات»، وتتخصص كل «شخصية» منها لرسالة تتجرد لها، وتقدر عليها حيث لا يقدر سواها.
وفي هذا الطور أو هذه المرحلة يتهيأ الذهن للتمييز بين عمل الإله وعمل الشيطان.
Shafi da ba'a sani ba