إلى أن يقول: وفي الآجام المتشابكة العميقة تسكن الأرواح والأطياف ذوات الخطر والأذى ... وحيوانات الغاب - أو سكان الأرض - كثير منها حرام على هذه القبيلة أو تلك ... فإذا قتل أحدها وجبت الترضية له، أو يظل في مطاردة القاتل طيفا لا يفر منه.»
ويقول شارل واجلي “Wagley”
في كتابه عن «بلدة الأمازون» من أمريكا الجنوبية: «إن بعض القردة تخاف في أعماق الغاب، وتحسب قردة الجريبة “Guariba”
آفة سحرية وبيلة، وبعضها له قدرة على اختلاس ظل الإنسان ... وأشهر أطياف الغاب وأرواحها الكاروبيرا التي تشبه إنسانا قزما، ويقال إن أقدامها ملتفتة إلى ورائها، وهي تعيش في أعماق الغاب، ومنها تسمع صرخاتها الطويلة المزعجة، ويقال إنها مغرمة بشراب الروم والتدخين ...
ثم يقول: وطيف آخر من الأطياف الخطرة يدعى «مات تابريرا» يظهر في المدن ولا يظهر كالأطياف الأخرى في الغابات والأنهار ... وأصل الاعتقاد فيه على ما يظهر منقول من الديار الأوروبية.»
ويتكلم مالنوسكي “Malinowsky” ، علامة الدراسات الإنسانية، عن الجزر الأسترالية فيروي قصة الروح التي تسمى عندهم «بلوما»، وتذهب بعد مفارقة الجسد إلى جزيرة أخرى كأنها العالم الآخر. وهم يعتقدون أن الأشياء لها أرواح تنتقل منها إلى حيث تسكن أرواح الموتى، فيزينون جسد الميت بكل ما كان يزدان به في الحياة؛ ليجرد منه روحه ويبقى بقيته المحسوسة. وقد يظهر للميت طيف يسمى «كوسى» يخاف لقاؤه، ولكنه يداعب الناس ولا يبالغ في إيذائهم، وحيثما سمع صياحه وجبت له الترضية والمبالاة.
وقد يخشى القوم هناك أطيافا أخرى لها علاقة بأرواح الموتى يتخيلونها دائما في صورة العجائز القباح، وقد يشيرون إلى عجوز حية معروفة فيقولون عنها: إنها قد أصبحت واحدة من تلك الأطياف ذات العلاقة بالموتى، وإنها تعاشرهم بقوة السحر وحيل التعاويذ.
وأفضل المراجع التي يعتمد عليها في فهم العقائد البدائية تلك الرحلات التي يكتبها طائفة من العلماء عاشوا بين القبائل، واختلطوا بها في جميع أطوار معيشتها، فعرفوا عاداتها بالمعاشرة على فطرتها، ولم يعرفوها بالسؤال والتحقيق على منوال الرحالين الذين يذهبون إليها لدراسة علم الأناس، أو تطبيقه عليها.
ومن هؤلاء العلماء الذين عاشوا زمنا بين القبائل في أفريقية الوسطى الطبيب المشهور «ألبيرت شويتزر»، صاحب جائزة نوبل منذ خمس سنوات، ويؤخذ من مذكراته أن أخوف المحظورات عندها هي التي ترتبط بأهم المراحل في حياة الإنسان؛ وهي: الولادة والمراهقة والموت، فقبل الولادة تطيف الأرواح بالأب وتلقنه في الرؤيا أو الإيحاء أسماء الأشياء التي ينبغي للوليد أن يتجنبها في حياته، وإلا أصابه الأذى من الأرواح المطيفة بالمكان، وعند المراهقة يحاط الصبية بالمراسم والعبادات التي تفرضها كل بيئة على حسبها. وأشق ما عاناه الطبيب من عادات القوم حذرهم من مقاربة أجساد الموتى، وهو محتاج في مستشفاه على الدوام إلى حمل هذه الأجساد ومواراتها.
ويؤخذ من مشاهدات هذا الطبيب في جواره أن المحظورات خاصة وعامة، فمنها ما يحرم على إنسان واحد ولا يحرم على غيره، حسبما جاءه الوحي من أبيه أو كاهنه، ومنها ما يعم القبيلة جميعا ولا يستثنى فيه أحد منها، ويقول الطبيب: إن بعض المنذورين لهذه المحرمات قد يأتي شفاؤهم من الوهم الذي غلب عليهم بعد إنذارهم بتحريم بعض المطاعم، واجتناب بعض الأدوات، فاجترءوا على مخالفة المحظور وسلموا من العاقبة، ولكنهم تخلصوا من عقيدة بعيدة، ورسخ في أخلادهم أن الروح الذي أطلقهم من عقال المحظور أقوى من الروح الذي حظره عليهم، فهو لا يستطيع أن يتعقبهم بالأذى وإن خالفوه جهرة؛ لأنهم دخلوا في حماية روح آخر أقوى وأعظم وأحرى بالمبالاة والاتباع.
Shafi da ba'a sani ba