Huruf Latiniyya
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
Nau'ikan
إن تلك الحروف لو كانت - مع تعقد شكلها وإتعابها النظر - تؤدي الأصوات كما يجب أن تؤدى، فتعوض بحسن التأدية ما تضيعه برداءة شكلها، لهان. ولكنه ليس من الصحيح أنها تقوم بهذا الغرض كما يظن، بل إن أهلها عابوا قصورها في هذا الصدد أيضا، وحاولوا أن يستبدلوا بها حروفا أخرى، فتشعبت بهم المسالك، ولم يستقر رأيهم على شيء.
ذلك حاصل ما أوردت في المسألة الأولى. وإليك ردي أجريته على ترتيب قولك فقرة فقرة:
أولا: (1) ما أظنك جادا حق الجد في حكمك على الشرقيين بإفراطهم في الإعجاب بوسائل الغرب، ذلك الحكم العام المطلق الذي لا مثنوية فيه. ولعل هذه الفكرة نتيجة استقراء لأحوال أناس تعرفهم أنت يا سيدي، ولكنه استقراء ناقص. وأنت - كما توسمته فيك - من خير من يعرفون أن التعميم لا يجوز إلا بعد الاستقراء التام. أما الناقص فحرام على فاعله التعميم، إنك لو قرأت للأستاذ محمد أديب العامري العماني مقاله «تطور الأساليب الفكرية»، المنشورة في «الثقافة» بالصحائف السابقة مباشرة للجزء الأول من اعتراضك المجود، لكنت من سابق تحصيلك وواسع إحاطتك على ذكر، ولوافقتني فيما أقول. (2) على أني لست أتعرض لحكمك هذا إلا تذكيرا بمقررات العلم الذي تجهد أنت - بحق - في إكباره واللجوء في الشدة إليه. أما فيما يتعلق بشخصي فإنه حكم لا يمسني في كثير ولا قليل؛ لأن خطئي وحده - لا خطأ الناس - هو الذي يحيق بي أثره وتلزمني مغبته، وفوق هذا فقد جاملتني بما أوردت في صدر بيانك من أن المساجلة فيما نحن فيه إنما «هي نضال شريف» يسعى فيه كل فريق لتحقيق الخير لأهل العربية . فهذه المجاملة - التي لا أشك في أنك تقصد معنى عبارتها على وجه الحقيقة التي لا مجاز فيها ولا منفذ للتأويل، والتي شكرتك وأكرر لك الشكر عليها - تخرجني من هذا الحكم الذي تسرعت فيه بالتعميم المسور بأمتن الأسوار، وتبيح لي الاقتناع بأنه ليس سوى «سبقة» من سبقات القلم الذي كثيرا ما يفجأ القلب بالشرود؛ لأنه شظية من حديد لا عقل لها. (3) على أنه إذا راقك أن تعرف دخيلة أمري كيما تستعين بها مستقبلا في استقراءاتك، فاعلم - وفقك الله وإياي - أني داخل في تعميمك، ولكن بقيد له من حديد، كريشتك الحديد، قيد مبهم أصم أكمه، لا يسمع ولا يبصر، ولا تستطيع أنت ولا غيرك له فكا، ولا لي من أزمته فكاكا. أو أني - على الأصح - خارج عن التعميم بهذا القيد المصمت المكباح، ذلك هو قيد العقل. فما يراه عقلي من مناحي الغرب حسنا فإني صائر إليه جهدي، ما دام لا يمس كرامتي وكرامة قومي. وما يراه منها قبيحا فإني أخسؤه عني ما وسعت طاقتي.
ثانيا: (1) ليكن الحرف اللاتيني معيبا في شكله وعدم وضوحه وصعوبة قراءته، ولتكن أقوال الأوروبيين متضاربة في هذا الصدد - كما رويت - أو غير متضاربة، فأين هو العلم أو دلائل العلم الموصلة لإدراك ما به من هذه العيوب؟ إن الحرف رسم اصطلاحي يدرك بالنظر، فإن كان مرتبك الصورة غير واضحها، فنظر مستعمليه كاف وحده للفصل في هذا الخصوص. والنظر حاسة مشتركة بين جميع القارئين، علماء مبرزين أو أناسا عاديين غير مثقفين. وإذن فلتستبعد من هذه المناقشة عبارة «دلائل العلم» ولتمحها بالقلم العريض؛ فإن إقحامها هنا تجاوز وظلم عظيم.
أليس كل ما في الأمر أن المشتغلين من الفرنجة بهذا الموضوع راقبوا الواقع فدونوه وشكوا منه وسعوا في إزالة ضرره، ولكن - كما تقول - لم يصلوا للآن إلى وضع مرض يقع عليه الإجماع؟ ومن ذا الذي يزعم أن تقرير الواقع والشكوى منه يسمى «علما» أو «دلائل علم»؟ إننا في مصر نشكو من زمن طويل من قصور رسم العربية، ونسعى في إزالة ضرره. فأي هو العلم أو دلائل العلم في تقرير هذا الواقع عندنا وفي الشكوى منه؟ لو ادعينا في مصر شيئا من هذا لكان إيهاما باطلا، ومجازفة كبرى تعمي معنى العلم وتضلل فيه الناس. لو ادعينا لكانت مكاتب الضابطة (البوليس) والنيابة العامة، وأقلام كتاب المحاكم، مملوءة بالعلم ودلائل العلم؛ لأنها غاصة ببلاغات وعرائض دعاوى تقرر الواقع - أو ما هو مزعوم أنه الواقع - وتشكو منه لذوي السلطان! (2) إن استدلالك مع خروج كل عناصره عن وادي العلم، ورجوعه إلى استطاعة كل القارئين من الأوروبيين، قد جعلتك أمانتك في النقل تأتي فيه بالرأي وبضده - تلك الأمانة التي أوقن بها، ولا أجد أقل داع أو ثمرة للمراجعة فيها - وأنت عليم بأن لقارئيك الحق في أن يأخذوا بظاهر قولك فيردوه عليك، وليس لك أن تكلفهم الترجيح. وكيف يستطيعونه، وأولئك العلماء الأوروبيون أنفسهم - مع علمهم طبعا بالدليل التفصيلي لمن يدعي ولمن يمنع - لم يستطيعوا للآن - كما تقول - الاتفاق على ترجيح شيء بعينه من جهة حسن شكل حروفهم ووضوحها، أو قبحه وتعقدها؟ (3) وأرجو سيدي أن يلاحظ أني هنا لا أبدي رأيي الشخصي، بل كل الذي أريد توضيحه هو أنك في هذه النقطة لم تثبت شيئا، لا بدلائل العلم التي تستنصرها وتسترهبني بها، ولا بغير دلائل العلم. كل الذي أثبته ينحصر في رواية عن بعض الأوروبيين أنهم ضجوا بالشكوى من تعقد شكل حروفهم وصعوبة قراءتها، وأن البعض امتعض من هذه الشكوى. (4) على أني أترك هذه النقطة مؤقتا وسأعود إليها بعد حين، إنما أرجو أن تسمح لي هنا بإبداء فكرة، إذا كانت ليست في الموضوع تماما، فإنها متصلة به شديد الاتصال:
إن العلة لتلك الشكوى - على ما أفهمه أنا، ولا أظنه لا يخفى عليك - هي أنهم في علمهم وفنهم - لا في كثير من عاداتهم وأخلاقهم وأكاذيبهم في مناحي سياستهم وتغريراتهم فيها بالناس - قد بلغوا درجة عالية من الشعور بكل دقيق وجليل من الشئون التي تيسر لهم سبل الحياة والاستمتاع بها، مما أحسدهم أنا وأنت عليه، ولا أستطيع أنا ولا أنت ادعاءه لأنفسنا في الوقت الحاضر. فإحساسهم اليوم بتعقد حروفهم من جهة شكلها، إنما هو وليد ذلك الرقي في الشعور. والفكر الإنساني حول ولاد، لا يقف عند حد في الطماح، بل يحكم على نفسه بنقص وسائله كلما رقي وتقدمت به الأحوال. ألسنا نحن العرب - عقب ظهور الإسلام وإبان ازدهار حضارته - ضججنا من رسم كتابتنا فأصلحناه بطرق مختلفة من الشكل، ومن قبل الشكل بالتنقيط؟ وهذا المعنى، معنى طموح الإنسان أو تنقله من وضع في وسائله إلى وضع آخر أكثر ملاءمة له وصلاحية، هو العلة لكل ضجيج وتغيير أو جنوح للتغيير. ولازم هذا المعنى الراجع إلى الطبيعة البشرية، أن الكمال في الأعمال الإنسانية مستحيل، أو كما قال المهدي العباسي:
لا شيء في هذه الدنيا يحاط به
إلا إحاطة منقوص بمنقوص
وليلاحظ أن كل ما سبق راجع إلى شكل الحروف اللاتينية لا إلى نغماتها الآتي عنها الكلام.
ثالثا: (1) تقول إن
Shafi da ba'a sani ba