Huruf Latiniyya
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
Nau'ikan
يا سيدي العزيز! إن فكرة اختزال الرسم العربي وضرورة عدم مسه، وفكرة السعي لعلاج العربية من طريق واحدة هي طريق تبسيط قواعدها، هاتين الفكرتين اللتين يقوم عليهما بيانك الشائق قد سبق أن أثارهما قومنا - كما أسلفت - ورددت عليهما بالمقدار الذي يستأهله كلام مثيريهما. وصببت ردي - في الأغلب - على مسألة الرسم وحدها دون مسألة تبسيط القواعد؛ لأن مسألة الرسم هي الجاري فيها الكلام الآن، وهي التي قدمت بشأنها اقتراحي الخاص بالحروف اللاتينية. أما مسألة تبسيط القواعد فأنا وغيري متفقون عليها، ولم يقم في أصل مبدئها أي خلاف، بل الخلاف هو في كيفية هذا التبسيط، وعلى أي وجه يكون.
وإنه مهما يكن الدليل الأقوى الذي تمسكت به في ردودي بشأن تيسير الرسم العربي هو إجماع رجالنا الرسميين وغير الرسميين على وجوب تيسيره، وتكليف مجمعنا اللغوي به في اللائحة التي يجري عليها في أعماله، مهما يكن من قيام هذا الدليل على وجوب تيسير رسم الكتابة، ومهما يكن له من قوة، فإني - تلقاء بيانك المتزن - أصرف النظر عنه، وأفرض عدم قيامه فعلا، وأنظر للمسألة على اعتبار أنها وليدة اليوم. فماذا أرى في بيانك؟
أراك تقرر أن رسمنا اختزالي لا يحتمل وضع حروف الحركات ولا إشارات الحركات في غضون هياكله. ثم تنصح باستبقائه كما هو، وعدم محاولة وضع شيء من تلك الحروف والإشارات في غضونه، لا تاليا للحروف متصلا بها ولا خارجا منفصلا عنها؛ لأن هذا يخل بخاصته الاختزالية، ومنفعة هذه الخاصة - في نظرك - أكثر من إثم التصحيف، بل تذهب إلى أن الحرج يزداد باتخاذ تلك الحروف والحركات.
الظاهر يا سيدي أننا غير متفقين اتفاقا واضحا على الغرض الذي نسعى إليه، فلنتفق عليه ابتداء، ثم ليتكلم كلانا بعد بما شاء. أنا أريد المحافظة على العربية الفصحى، وأنت تريدها كذلك، فلنحدد بالنص الصريح ما هي تلك الفصحى التي نريدها جميعا. أما أنا فلا أرى مثالا للفصحى غير القرآن الثابت نصه بالتواتر؛ فلغته هي وحدها المعنية لي عندما أذكر الفصحى. وأحدد أكثر فأقول: إن لغته المعنية لي هي ما تكون الأقيس والأسهل من وجوه قراءاته؛ فقراءة «إن هذين لساحران» هي المعنية لي دون
إن هذان
مثلا. وإني لمقتنع كل الاقتناع بأن لغة القرآن هذه التي أعنيها هي أوضح وأسمح وأيسر من كل النصوص العربية التي ترامت لنا من أقوال الجاهليين وشبه الجاهليين. بل إنها؛ من حيث جمال اتساقها وسهولة فهمها ويسر جريانها على الألسن، هي المثال المعجز للسهل الممتنع، وإذا كان فيها شيء من الغريب فقدر ضئيل. ومع هذا فقد أصبح - لكثرة التكرار في المناسبات المختلفة - مألوفا عند الناس يفهمونه في الجملة، وقليل من العناية يكفي كيما يفهموه على وجه التأصيل والتعيين. هذا هو رأيي محددا، فهل لسيدي خلاف في هذا؟ إن كان له خلاف أمسكت عن الاسترسال في القول. ولكني ما أظن أن له خلافا؛ فإن تلك الفطنة وذلك الكيس لا أتصور من جانب صاحبهما أي خلاف في هذا التنصيص والتحديد. وإذن فلنعتبر أن هذا هو وحده الغرض المتفق عليه.
تفهم عبارات السيد أنه يرى أن رسم كتابة اللغات إطلاقا - في يوم الناس هذا - يجب أن يكون اختزاليا، وأن العربية سبقتها جميعا بالفوز بنعمة الاختزال. وواضح أن الذي حدا بالسيد لهذا التقرير ما يراه من لجوء أهل اللغات الأخرى إلى اختراع الاختزال
Sténographie . لكني أنا يا سيدي أرى في هذا الخصوص غير رأيك. أرى أن الرسم صورة حسية منظورة للألفاظ المنطوقة أو للتراكيب اللغوية المعبرة عن المعاني الجائلة بالخاطر. أو هو ترجمان يعبر عن تلك الألفاظ والخواطر في صمت وسكون، ومن صفاته أنه لا يتعب سمعك، بل يتجه مباشرة من بصرك إلى عقلك فيصب فيه ما هو مكلف بترجمته من الألفاظ والمعاني، وإذا استنطقته واستلفظته أبى أن يتقدم عليك، بل وكل إلى لسانك أنت أمر اللفظ والبيان.
أنت إذن بالخيار، إن وقفت عند اعتبار الرسم صورة، فالعقل لا يسكن إلا إلى الصورة المطابقة لمصورها. هبك نظرت صورة إنسان لم يخرجها المصور على ما خلقها الله، بل جعلها بعين واحدة أو أذن واحدة، أو جعل فمها في قفاها، وأنفها في قمة رأسها، أفتسكن نفسك إليها؟ من المؤكد لا. كذلك صورة اللغة، إن لم تستوف لوحتها بيان الفاعل وبيان المفعول وبيان المتضايفين معلما كل منها بعلامته التي تخيرها له واضع اللغة، أو لم تستوف في صيغ الأفعال علامات البناء للمعلوم والبناء للمجهول وما إلى هذا من العلامات المقررة في أصل الوضع للمعاني المختلفة، كانت لوحة بتراء مشوهة تنكر العين رؤيتها وترفض النفس السكون إليها في الدلالات اللغوية.
أما إن اعتبرت الرسم ترجمانا فإني أرجوك أن تسمع لي: هبك منيت بترجمان يرص لك نغمات من نغمات أحرف الهجاء متتابعة بدون حركات، ويتمتم لك ملفظها تمتمة أنفية، ويكل إليك تقليده في الملفظ، فهل تفهم منه شيئا أو تستطيع محاكاة تمتمته؟ لا شك أنك إن ملكت شعورك ولم تخنقه فإنك على الأقل تصفعه على قفاه وتطرده من خدمتك. وهنا أبادر إلى القول بأن هذا الترجمان الأبكم مستحيل الوجود؛ لأن بين النغمات والحركات تلازما وتضامنا في مكنة الانبعاث. فالنغمات لا تظهر بدون الحركات، والحركات لا تظهر إلا معتمدة على النغمات. فك الآن عروة من عصام كنانتك يخرج لك منها ترجمان من صنف أرقى نوعا ما، هو الصنف الجارية عادتنا الآن باستخدامه. رقي هذا الترجمان الثاني ينحصر في شيء واحد، سلامته من العي والحصر. إنه يبصرك مقدما بمبلغ مساعيه في خدمتك حتى لا تتأذى في العاقبة وتحنق وترجع عليه باللائمة. إنه يقول لك: أنا رسام ماهر أرسم نغمات كل ما تنطق به أنت والناس من الألفاظ، وكل ما يدور بخاطرك من المعاني، مما هو معد لأن تنطق به فعلا أنت وغيرك من الناس، ولكن قرطاسي ضيق الرقعة، ووقتي أثمن من أن أضيعه في وضع علامات الحركة لحروف الألفاظ، تلك العلامات المعدة للتفريق بين المعاني المختلفة المستعملة فيها الألفاظ، فأنا لا أسرف في القرطاس، ولا أبذر في الوقت، ولا أضع لك تلك العلامات، بل أكتفي بأن أنطق بتلك الألفاظ مرة واحدة أثناء الرسم على وجهها الذي تريده، مستعيرا لسانك أنت أثناء النطق. وما علي من بعد أن تنسى أنت أو أولادك أو غيركم وتخلطوا وتقلبوا الأوضاع المقصودة لي رأسا على عقب بنطقكم المخالف لنطقي عند الرسم، اعتمادا منكم على أن ما تأتون به من التخليط لا يخلو في غالب الأحوال من أن يكون له معنى بحسب قوانين العربية، وإن كان معنى يبعد عن أصل المراد عند الرسم بعد ما بين القطبين. هذا التبصير يشوقك ويعجبك، بل يملقك بادئ الرأي؛ لأنه يصادف هوى في فؤادك. إذ القرطاس في واقع الأمر قرطاسك، والوقت وقتك، والنفس الإنسانية مجبولة على الضن بما تملك، وعلى الاستنامة لكواذب الأحلام التي تهيئ لها القدرة على حياطة ما تبني من قصور الماديات والمعنويات، وعلى صيانتها من عوادي الدهر. أنت إذن تقبل التبصير وتشكر للترجمان صراحته. ويتم الرسم على هذا الوجه، والارتياح مالئ جوانب نفسك. ولكن! ... لكن الواقع في كثير من الأحوال أن هذا الترجمان الراقي لا يمتاز عن ذلك الأبكم الذي غضبت عليه، إن رسمه الذي سرك إذا ما صار في غيبتك إلى أولادك أو عشيرتك الأقربين فربما نطقوه بخلاف ما أردت وأراد لك الترجمان، وربما وقعت بينهم العداوة والشحناء، وأصبحوا أحلاسا لمكاتب المحامين ولدور القضاء؛ لأن لكتابك وجهين محتملين، أحدهما يعطي والآخر يمنع. ومن يرى الإعطاء يلح، ومن يرى المنع يمسك، فيقوم العراك. أما إذا وقع مثل هذا الكتاب لغير هؤلاء ممن لا يهمهم الاحتفاظ بسمعة الكاتب، فإنهم - فوق هلهلتهم إياه في القراءة وتقويلهم صاحبه ما لم يقل - لا يتورعون عن تشريح عقله وعن البحث في شرائحه عن نيات يزعمونها له تتفق وما صدق عليه تصحيفهم. وقد ينتهي بهم البحث إلى تكفيره والحكم بأنه من أهل النار؛ لأنهم لما تناولوا بعض جمله المكتوبة نصبوا لفظ الجلالة فجعلوه مفعولا، ورفعوا لفظ إبليس فجعلوه فاعلا، وسياق العبارة قاض بشرف مكانة الفاعل وحقارة مكانة المفعول. ومن هنا يأتي التكفير، والناس إلى الشر أسرع. ومهما يحاول هذا الكاتب الإدلاء للناس بالنطق الصحيح، والاستعاذة بالله من الترجمان الذي اشترط عليه عدم تقييد الحروف بحركاتها، ومهما يقل لهم إن جلة المسلمين في كل بقاع الأرض يطيعون هذا الترجمان ويقبلون شروطه، مهما يقل أو يفعل للتخلص من استحقاق النار، فما هو بناج عند الناس في هذه الحياة الدنيا من حكم النار.
Shafi da ba'a sani ba