Huruf Latiniyya
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
Nau'ikan
أرأيت إذن أن المتقعرين المتزمتين يستحقون النار أحياء وهم من أهلها أمواتا؟!
بعد ذلك يورد المحاضر أنه سمع أن عالما اسمه القزويني كان بباريس، وكان عمال البريد يختلفون معه على ما يرد إليه من الرسائل، أله هي أم لغيره؟ (وذلك - كما يبدو - لأن الحروف اللاتينية كانت تتخالف في تعيين اسمه والدلالة عليه). ثم يذكر أنه وردت إلى أحد عمداء كلية الآداب السابقين دعوة من بعض الجماعات لتوحيد الكتابة بين أمم الأرض، فاتفق هو والعميد على إبلاغ الداعين أن يبدءوا هم أنفسهم بتوحيد كتابة لغاتهم، ومن بعد ينظر في الأمر .
فأما حكاية القزويني، فحضرة المحاضر يعلم أن مثل هذا الاسم إذا تخالفت الحروف اللاتينية في ضبط لفظه ولم تدل عليه بحروف بعينها ثابتة لا تتغير من كاتب لكاتب، فإن هذا ليس آتيا من عدم دلالة حروف اللغة الأجنبية على الأصيل من كلماتها، بل مصدره لوكة اللسان التي تختلف من أهل لغة لأهل لغة أخرى. ألم يقل العرب في «ألفونس: الأذفونش» وفي «جريناد: غرناطة» وفي «مدريد: مجريط»؟ وبقطع النظر عن هذا التحريف الآتي من تخالف لوكات اللسان، فإن كلمة «القزويني» هي - عند قراءة العربي لها مكتوبة بالحروف العربية - محل لتخالف أكثر من تخالف أوضاعها إذا كتبت بالحروف اللاتينية. أليس العربي الذي يجهل من قبل أن هناك شيئا اسمه «قزوين»، وأن هذا الاسم منسوب إليه، أليس أنه إذا أراد قراءته صحف القاف فثلث حركتها، ثم فتح الزاي أو سكنها أو شددها، فنتج من هذه التصحيفات عدد عظيم من الأوضاع لا أريد أن أعني نفسي بإحصائها، بل أترك هذا الإحصاء لحضرة المحاضر؟ ومع هذا فإني لا أفهم ما رواه المحاضر من أن هذا الأستاذ القزويني قد اضطر لتسجيل اسمه حتى لا يخطئ عمال البريد في إيصال مراسلاته إليه، لا أفهم على أي وجه كان هذا التسجيل، والكلام في رجل مقيم في باريس لا تأتيه رسائله معنونة بالعربية بل بالأحرف اللاتينية؟ أي شيء يكون هذا القزويني سجله؟ أنا طبعا أصدق حضرة المحاضر. وعدم فهمي لا يقتضي عدم تصديقي، فكم من أمور هي حقيقية في ذاتها وعدم إدراكنا لها لا يمنعنا من أن نصدقها اعتمادا على ما نعرف من صدق المبلغين، فأنا أصدق أن القزويني سجل شيئا وإن كنت لا أدري ما هو.
وأما مسألة الدعوة لتوحيد الكتابة، فإني لو كنت مكانه ومكان حضرة العميد السابق لما فعلت غير ما فعلا؛ لأن الرأي في مثل هذه الجماعات يكون للأغلبية، فلا أدري إلى أي طريق أنا أساق. وعلى فرض استصحاب الحرية مع مثل هذه الجماعات فإني واثق من قبل أن زمني ضائع؛ لأن في لغتي العربية نغمات لا مثيل لها عند غيرنا من الأمم.
وعلى كل حال فالكلام عن القزويني وعن تلك الدعوة كله حشو لا فائدة فيه.
بعد هذا قال إن الخليل بن أحمد هو الذي وضع «الشكل»، وقد اختار له حروفا من حروف الهجاء العربية.
وهذا خبر يجعلنا نترحم على الخليل بن أحمد لغيرته على العربية واجتهاده وسعه في كشف غمة رسمها القاصر. أما فوق هذا فلا أهمية له فيما نحن فيه؛ لأن الكل مجمعون على إفلاس الشكل سواء أكان واضعه الخليل بن أحمد أم كان عفريتا من جن سليمان.
يذكر حضرته من بعد أن الكلمات العربية ثلاثية الأصول تتفجر أصولها بالمشتقات، بخلاف اللغات الأخرى كالفرنسية والتركية، فإن أصولها ثابتة لا تتغير بالاشتقاق منها. ثم يروي عن بعض المستشرقين إعجابهم بهذه الثلاثية وأنها تشبه مثل أفلاطون. ولست أدري ما أهمية هذا فيما نحن فيه؟ بل لست أدرك كيف يجعل حضرته المقتضي مانعا على خلاف المقبول عند الناس! إن الفرنسية والتركية وغيرهما إذا كانت أصولها ثابتة باقية على حالها مهما أخذ منها من المشتقات، فهذا الثبات أقرب إلى أن يكون من الدواعي لعدم تحميلها بحروف الحركات أو بعلامات الحركات. لكن الفرنسيين - على الرغم من هذا الثبات - يستعملون في غضون أصولهم حروف الحركات، والأتراك - كما يقول حضرته - كانوا أيضا من قبل اتخاذهم الحروف اللاتينية قد استعملوا الحروف اللينة في غضون أصول كلماتهم المرسومة بالعربية لضبط ما لحروف هذه الأصول من الحركات. أفما كانت العربية - وأصولها تتفجر بالاشتقاق وتتغير به أوضاعها - هي الأولى والأحق بحروف الحركات لضبط أوضاعها المختلفة؟ وعلى كل حال فإن الكلام في هذا الصدد هو - كما ترى - من قبيل الأدلة الخطابية المتخاذلة التي إذا عصرتها لم تجدها شيئا ولم تدرك لها أية فائدة فيما نحن فيه.
على أن حضرة المحاضر في هذا المقام قد خرج أيضا - فيما يختص بالأتراك - عن الموضوع الاجتماعي إلى الميدان السياسي، فشكك في الدافع لهم على اتخاذ الحروف اللاتينية ما داموا هم - من قبل ذلك بسنين - كانوا قد استعملوا الحروف العربية اللينة وغيرها في بنية كلماتهم - حتى المستعارة من العربية - للدلالة على ما لها من الحركات. إن أقل ما كانت تجب مراعاته في هذا الصدد أن الترك أعلم بمصلحتهم من المحاضر ومني ومن غيرنا من الناس، وأنه ليس لأحد من غير رجال السياسة أن يتدخل في البواعث التي حملتهم على تغيير حروف كتابتهم، وأن قصارى مهمة رجال العلم إنما هي مجرد تسجيل الواقع وعدم التورط - تصريحا أو تلميحا - فيما قد يكون من البواعث السياسية الدافعة إلى التغيير.
أما القطعة الأخيرة من المحاضرة فهي في الموضوع حقيقة، ولكن واضعها لم يخترع فيها جديدا، بل هو يرى الأخذ بالمذهب الثاني؛ وهو استبقاء الحروف العربية كما هي، واستعمال الشكل على الطريقة الجارية الآن، ولكن لا كله، بل بالقدر اللازم منه لإزالة اللبس وتمكين القارئ من ضبط النطق الصحيح للكلمات. ومهما يكن هذا ترديدا لرأي سبق عرضه على المؤتمر، فإنه على كل حال كلام داخل في الموضوع وصالح كل الصلاحية لأن يكون محلا للتقدير. على أنه كان في وسع حضرة المحاضر أن يقتصر على التنويه بهذه الفكرة، وأن لا يتعب نفسه في حواش كثيرة خارجة عن الموضوع، وأن لا يعنيها بالاستشهاد بالمستشرقين وغير المستشرقين؛ فإن المسألة مسألة بحث مادي واقعي لا تفيد فيها الشهادات اللفظية ولا التخيلات الذهنية، بل كلامه هو وحده يغنيه ويغنينا عن مثل تلك الشهادات.
Shafi da ba'a sani ba