Nan ne Alkur'ani

Ismail Kebbi d. 1437 AH
94

Nan ne Alkur'ani

هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي

Nau'ikan

إضافة لطيفة:

وإذا كان القلم قد جرى بما تيسر حول (نزل وأنزل) فإن له بناء حول نبأ وأنبأ؛ فإن لكل منهما معنى متقارب مع نزل وأنزل؛ فإن نباء بالتضعيف تعني أن النبأ نقل إلى الآخر بعناية واهتمام واختص به المنبأ دون سواه فهو المستهدف من الكلام بينما كلمة أنباء بالهمزة والتخفيف تعني أن النبأ أطلق بشكل عام وألقي وسط الناس بشكل عشوائي دون تخصيص أحد منهم وهذا الفرق بين الكلمتين يظهر بوضوح في سورة التحريم. ففي الحوار بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعض أزواجه وردت الكلمتان (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به) لاحظوا، لقد استعمل كلمة "نبأت" فهي هنا قد نبأت به بعض الزوجات بصورة خاصة وحدثت به باهتمام ولهذا استعمل كلمة "نبأت" بالتضعيف ولنستمر في قراءة الآية: (فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به). نعم لقد نبأ النبي زوجته بما عملت وبما أظهره الله نبأها باهتمام وبصفة خاصة وبصورة مخصوصة، فماذا حدث وماذا كان ردها؟. لنقرأ: (قالت من أنبأك هذا).لقد استعملت كلمة "أنبأ" لأن السؤال منها يدل على أنها ظنت أن النبي تلقى الخبر وأنبأ به بشكل عابر وعبر تداول الألسنة فكان المناسب أن تقول (من أنبأك هذا) لكن الرسول يرد على السؤال الموهم بأن الثناء جاءه بشكل عابر يرد بما يدل على أن النبأ جاءه بصورة خاصة ومن مصدر خاص فلنقرأ كيف رد: (قال نبأني العليم الخبير) [التحريم:3].

لقد استعمل كلمة "نبأ" المضعفة الدالة على أن النبأ جاءه من مصدر خاص وبشكل خاص، وكيف لا وهو قد جاءه من العليم الخبير، فإن المصدر يدل على أن النبأ غير عابر على أفواه الناس، ولكنه من العليم بأسرار الناس الخبير بما في النفوس من الوسواس. وعلى هذا الأساس فإن "نبأ" المضعفة ترد كثيرا في القرآن؛ لأن النبأ لا يكون إلا من نبي صادق إلى عباد الله الصادقين، فهذا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يأمره الله بقوله: (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم(49)وأن عذابي هو العذاب الأليم(50)ونبئهم عن ضيف إبراهيم(51)) [سورة الحجر].

وهذا يوسف عليه السلام يخاطب صاحبي السجن: (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي) [يوسف:37]. وهناك عيسى بن مريم عليه السلام يخاطب بني إسرائيل: (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) [آل عمران:49]. وهكذا يكون التشابه بين "أنزل ونزل" و"أنبأ ونبأ" فالمضعفة منهما تعني الاهتمام في الإيصال والاختصاص والتخصيص فيما ينقل ويقال والمهمزة في الكلمتين تعني الإطلاق بشكل يشمل أكثر من واحد ولا يخص واحدا أو بالأصح يعني العموم في الإنزال والإنباء بدون تخصيص ولا انتقاء، ولا اهتمام ولا احتفاء.

عود على بدء:

وبعد فإن الموضوع يبدو محسوما بلا مراء على أن للقلم بعد هذا البيان بناء خاصا حول معنى كلمة "أنزل" مع كلمة "نزل" من حيث الموضع الأصلي لهما أي من حيث ما يدلان عليه في أصل وضع اللغة وفي مبتدأ مفهوم الكلمة. لا شك أن المتبادر إلى الذهن أن كلمة أنزل ونزل تعني أن شيئا ما قد أتى إلى الناس من أعلى إلى أسفل أو قد تناوله المتناول من مصدر عال وهو في مكان أسفل من المناول. ولهذا فإن القرآن أنزل من الله إلى الرسول والمطر ينزل من السماء إلى الأرض فالكلمة تعني انتقال الشيء من حال الارتفاع إلى الهبوط أو من صدر عال إلى مهبط سافل.

هذا هو المتبادر من الاستعمال، نعم لقد استعملت لهذا المعنى تعظيما لله المعطي وتهوينا للعبد المعطى وتجليلا لله المتفضل وتقليلا للعبد المستقبل، فالله يليق به العلو والتعظيم، والجلال والتفخيم، فهو العلي العظيم، وهو الرفيع الدرجات، وهو الوهاب ذو المعارج والهبات، وهو ذو العرش المجيد، الفعال لما يريد، ولهذا يحق له أن يستعمل فيما يعطيه ويظهره كلمة "أنزل ونزل" معا.ولكن: هل الله حقا في مكان محسوس الارتفاع وفي مقام ملموس العلو. كلا: إن علوه وارتفاعه معنوي، فهو قريب من كل شيء وهو معنى أينما كنا وهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو يحول بين المرء وقلبه: (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) [الأنعام:3].

وإذن فإن كلمة "أنزل" لا تعني في حقه تعالى أن ما يأتي منه ينزل من أعلا إلى أدنى أو من عال إلى سافل، كلا ولكنه يأتي بشكل أسهل وأجمل. وعليه: فإن كلمة "أنزل" تعني أظهر وأبان؛ لأن الله عنده خزائن الأشياء والأكوان وهو يوجدها بكلمة كن فكان، وليس معنى الخزائن أن عنده مخازن مكدسة وخزائن، فهو يكون الأشياء ثم يظهرها من العدم إلى العيان. ولا يصرفها من مخازن مكدسة بالأجسام كما يفعل الإنسان، وليس لديه أمر صرف ولا خزان للمخزون بل يقول للشيء كن فيكون. وعليه فإن الله حين يقول: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) [الحجر:21]. فإنما يعني أنه الخبير بالمكونات والأكوان وفي علمه كل أسرار الخلق والإتقان، وكل خفايا الإيجاد والإحسان. فإذا أراد للشيء الوجود والتكوين قال له كن فيكون، فإذا هو ظاهر بين أيدي الناس به ينعمون وهو أخبر بما يريدون وبمقدار ما يحتاجون، وهذا هو معنى قوله: (وما ننزله إلا بقدر معلوم). أي نظهره ونبرزه للوجود بقدر ما يحتاجه الخلق وبما يفيد ولا ينقص ولا يزيد، وكيف لا وهو الخبير بما يخفى وأقرب إلينا من حبل الوريد. وهكذا فإن كلمة "أنزل" تعني أظهر وأخرج وأوجد وقدر. وعلى هذا المعنى قال الله في سورة هود: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل) [هود: 12]. فإن قوله: (أنزل عليه كنز) يعني أظهر عليه أو أخرج له بدليل أن بعدها (أو جاء معه ملك) فلقد استعمل كلمة جاء مع الملك مع أن الملك في مفهومنا يتنزل من أعلى إلى أسفل لكن الواقع أنه يجيء من حيث لا ندري وهذا هو التعبير اللائق بالله العظيم.

فليس له عرش محسوس وكرسي ولكنه قريب من كل شيء. ثم إن كلمة "أنزل" قد جاءت في مقام تدل على أصلها وفي سياق يؤكد معناها الأصلي ذلك هو قوله في سورة الأنعام: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله). إن قول هذا الظالم المفتري (سأنزل مثل ما أنزل الله) وهو عربي اللسان يعني ما يقول ويعرف معنى الكلام. إن قوله هكذا لا يعني أنه يزعم ويدعي أنه سينزل كلاما من السماء ولكن يعني أنه سيقول ويظهر لنا كلاما من فمه ولسانه الماثل أمامنا على الأرض فلماذا استعمل كلمة (سأنزل) ثم (مثلما أنزل الله). إن هذا يعني أن "أنزل" تعني أظهر وأخرج وهو المعنى الأصح وعليه جاءت الآيات التي وردت فيها هذه الكلمة متعلقة بأشياء أرضية محسوسة كقوله تعالى: (يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا).فإن الإنزال هنا يعني الإظهار والإخراج في الأرض بلا شك، وكيف لا ولله ملك السماوات والأرض وإذا أراد شيئا قال له كن فيكون، وكذلك قوله تعالى في سورة الزمر مخاطبا بني آدم: (خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون) [الزمر:6].

هل الأنعام أنزلت؟ وكيف أن المراد أظهرت وأخرجت بكلمة كن التي يتكون بها كل شيء فالله له الملك لا إله إلا هو الحي القيوم وبيده ملكوت كل شيء وسر كل شيء ولا يعجزه شيء؟ وبهذا العلم والقدرة والحكمة والخبرة قال في سورة الحديد: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) [الحديد:25]. فهل الحديد كما يقول بعض السطحيين جاءنا منزل من أعلى إلى الأرض أو من نجم يتوفر فيه الحديد أكثر من الأرض كما يقول بعض السطحيين؟ كلا، بل إن الحديد أظهر للناس في الأرض وبقدرة الله الذي يقول للشيء كن فيكون ومن خزائنه التي هي العلم والقدرة وسرعة الحساب في التكوين فبعلمه وقدرته أظهر الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليبتلي الناس كيف يستخدمون هذه البأس هل للحق أم للباطل. هل لله أم للطاغوت، ولكنه مع ذلك (قوي عزيز) فهو لا يعجزه شيء وهو الغني عن كل شيء وهو الغالب على أمره وكل شيء إليه فقير وبه مقهور.

Shafi da ba'a sani ba