فسألتها والدتها بحدة: «هل استخرت الله قبل اتخاذ هذا القرار؟»
فردت إنيد بالإيجاب.
تركت مدرسة التمريض؛ وبقيت في المنزل وانشغلت بأمور أخرى؛ فقد كان هناك ما يكفي من المال لتجنيبها الحاجة للعمل. وفي الواقع، لم تكن والدتها راضية عن التحاقها بمدرسة التمريض من البداية؛ إذ رأت أنها مهنة الفتيات الفقيرات اللاتي لا يستطيع آباؤهن التكفل بهن أو إرسالهن إلى الجامعة. لكن إنيد لم تذكر والدتها بهذا التناقض، فانشغلت بطلاء سور المنزل، وحماية شجيرات الورود استعدادا لفصل الشتاء بضم فروعها معا حتى لا تجرفها الرياح. وتعلمت الخبز، ولعب الورق، فحلت محل والدها في الألعاب الأسبوعية التي كان يلعبها والدها ووالدتها مع جيرانهما، السيد ويلينس وزوجته. وما لبثت أن صارت لاعبة ماهرة للغاية، كما وصفها السيد ويلينس. واعتاد أن يجلب لها الشوكولاتة أو زهرة وردية معه ليعوض عدم كفاءته كشريك لها في اللعب.
اعتادت إنيد أيضا الذهاب للتزلج في مساء أيام الشتاء، ومارست لعبة تنس الريشة.
لم تفتقر قط إلى الأصدقاء، ولا يزال هذا حالها إلى الآن. معظم من كانوا معها في العام الأخير بالمدرسة الثانوية أوشكوا على الانتهاء من الدراسة الجامعية الآن، أو صاروا يعملون بالفعل في أماكن بعيدة في مهن مثل التدريس أو التمريض أو المحاسبة القانونية، لكنها مع ذلك أقامت صداقات مع أشخاص آخرين ممن لم ينهوا دراستهم الثانوية ليعملوا في المصارف أو المتاجر أو المكاتب، أو ليعملوا بالسباكة أو صناعة القبعات. والفتيات من هذه الفئة كن يسقطن كالذباب - مثلما كن يقلن بعضهن عن بعض - في شرك الزوجية. عملت إنيد أيضا على تنظيم الحفلات التي تقام للعروس لتقديم الهدايا لها وتنظيم حفلات الشاي السابقة للزفاف لرؤية جهاز العروس. وفي غضون بضعة أعوام، ستحتفل مع أولئك الفتيات بتعميد أبنائهن، ومن المتوقع أن تكون أما في العماد لهؤلاء الأطفال الذين سيطلقون عليها لقب الخالة عندما يكبرون. وقد كانت هي نفسها ابنة روحية لسيدات من عمر والدتها أو أكبر سنا، وكانت هي الشابة الوحيدة التي لديها وقت لنادي الكتب وجمعية البستنة؛ لذا، انزلقت إنيد بسرعة ويسر وهي لا تزال شابة في هذا الدور المحوري والمنعزل في الوقت نفسه.
لكن، في الواقع، كان هذا دورها دوما؛ ففي المدرسة الثانوية، كانت دوما أمينة الفصل أو الداعية إلى الأحداث الاجتماعية. وكانت محبوبة للغاية وتتسم بالحيوية وحسن المظهر والجمال، لكنها كانت منعزلة قليلا. فقد كان لها أصدقاء من الشباب، لكنها لم تحظ يوما بحبيب. وبدا أنها لم تختر ذلك، لكنها لم تقلق حياله أيضا؛ فقد انشغلت بطموحها؛ وهو أن تكون مبشرة دينية - كان ذلك في إحدى المراحل المحرجة في حياتها - ثم ممرضة. لم تفكر يوما في التمريض كشيء تفعله إلى أن تتزوج، وإنما كانت تطمح في أن تكون جيدة وأن تبرع فيما تفعله، وليس بالضرورة أن تكون زوجة وتعيش حياة تقليدية معتادة.
وفي احتفالات العام الجديد، كانت تذهب للرقص في قاعة مبنى البلدية، وكان الرجل الذي يرقص معها في الغالب ويرافقها إلى المنزل ويتمنى لها ليلة سعيدة هو مدير مصنع الألبان. وهو رجل في الأربعينيات من عمره، لم يتزوج قط في حياته، وكان راقصا ماهرا، وصديقا أبويا للفتيات اللاتي لا يجدن رفقاء لهن في الغالب، وما من امرأة أخذته على محمل الجد قط.
قالت لها والدتها ذات مرة: «ربما ينبغي لك الحصول على دورة تدريبية في إدارة الأعمال، أو ما رأيك في الالتحاق بالجامعة؟»
كانت والدتها تفكر في المكان الذي قد يتسم فيه الرجال بقدر أكبر من حسن التقدير.
فأجابتها إنيد: «لقد كبرت على ذلك.»
Shafi da ba'a sani ba