قال فيليب: «بل نستطيع.» «كلا، لا نستطيع. إذا استمر الأمر سيتساءلون عما نفعل، وسيستشيطون منا غضبا.» «سنستدعي الطائرات الهليكوبتر كي تقصفهم.» «كفى سخفا؛ تعلم أنها مجرد لعبة.» «ستقصفهم طائراتنا.»
قالت إيف في محاولة جديدة: «لا أعتقد أن الطائرات مجهزة بأي أسلحة - لم يصنع المسئولون أسلحة - قادرة على تدمير الفضائيين.»
قال فيليب: «غير صحيح.» ثم شرع يصف لها بعض أنواع الصواريخ، لكنها لم تسمع ما يقول. •••
حين كانت إيف طفلة تعيش في القرية مع شقيقها وأبويها، كانت تذهب أحيانا في نزهة مع أمها إلى الريف. لم تكن بحوزتهم سيارة - فقد كان زمن حرب - وإنما كانوا يستقلون القطار إلى هذا المكان. وكانت السيدة التي تدير النزل الذي كانت تعيش فيه في القرية صديقة لأم إيف، وأحيانا كانت تدعوهما ليصاحباها في سيارتها عندما تنوي الذهاب إلى الريف لشراء الذرة أو التوت أو الطماطم. وأحيانا كن يتوقفن لاحتساء الشاي وينظرن إلى الصحون القديمة وبعض قطع الأثاث المعروضة للبيع في مدخل بيت إحدى المزارعات اللاتي يدرن مشروعاتهن الخاصة. أما والد إيف، فقد كان يفضل ألا يذهب معهما ليلعب الداما مع رجال على الشاطئ؛ حيث كانت هناك مصطبة كبيرة من الأسمنت على شكل مربع مرسوم عليها لوحة داما، لها سقف للحماية من أشعة الشمس والمطر وليس لها جدران. وهناك - حتى في ظل المطر - كان الرجال يحركون قطع الداما الكبيرة بتأن مستخدمين عصيا طويلة. أما شقيق إيف، فكان يراقبهم أو يتركهم ليسبح دون مراقبة من أحد، فقد كان يكبرها سنا. لكن كل هذا اختفى الآن، حتى المصطبة الأسمنتية، لربما شيد أعلاها مبنى ما. اختفى - أيضا - النزل ذو الشرفات الممتدة فوق الرمال، واختفت محطة القطار التي كان اسم القرية مكتوبا عليها بالزهور، واختفت خطوط السكة الحديدية أيضا، وشيد مكانها مركز تجاري على طراز يتصنع القدم، يشتمل على محل بقالة كبير يلبي حاجات الناس، وحانة، ومحلات ملابس منزلية ومشغولات ريفية.
عندما كانت إيف صغيرة جدا وترتدي على رأسها مشبك شعر كبيرا على شكل فراشة، كانت مولعة بتلك الرحلات الاستكشافية في الريف. فكانت - عندما تذهب إلى هناك - تأكل كعكات صغيرة محشوة بالمربى، وأخرى تغطيها طبقة من الصوص ثم طبقة من الكريمة المتماسكة المتناثرة عليها حبات الكرز. ولم يكن مسموحا لها أن تلمس أيا من الأطباق أو وسائد الدبابيس المصنوعة من الستان والدانتيل، أو الدمى القديمة باهتة الألوان. وكانت أحاديث النساء تمر من فوق رأسها، فتعتريها حالة من الكآبة المؤقتة؛ كأنها سحابات لا سبيل للهرب منها. لكنها كانت تستمتع بالركوب في المقعد الخلفي للسيارة متخيلة نفسها تمتطي صهوة جواد أو تجلس في عربة ملكية. لكن فيما بعد، صارت ترفض الذهاب إلى هذه الرحلات. بدأت تكره السير ظلا لأمها، ومعرفة الناس لها من خلالها؛ فعندما تقول الأم «ابنتي إيف»، يتردد صوتها على مسامع الفتاة ليشي بنبرة تعال وغرور وكأنها - زيفا - من ممتلكاتها (غير أن إيف كانت تستخدم هذه العبارة - أو ما شابهها - في بعض من أكثر عروضها التمثيلية فظاظة وأقلها نجاحا). كذلك كانت تكره الطريقة التي تتأنق بها أمها في العادة وهي ذاهبة إلى الريف؛ القبعات الكبيرة، وقفازات يديها، والفساتين المصممة من أقمشة رقيقة تعلوها نقوش بارزة لزهور بدت كالثآليل. وأخيرا، بدت أحذيتها الخفيضة ذات الأربطة - التي كانت تريح التهاب مسامير الأقدام التي تعانيها - ضخمة ورثة بشكل يسبب الحرج.
وفي السنوات الأولى التي قضتها إيف بعيدا عن المنزل، كانت تلعب مع صديقاتها لعبة «ما أكثر شيء تكرهينه في أمك؟»
قالت إحدى الفتيات: «مشدات الخاصرة.» وقالت أخرى: «المآزر المبتلة.»
بونيه الشعر الشبكي. الذراعان الممتلئتان. الاقتباس من الكتاب المقدس. أغنية «الولد داني».
بينما تقول إيف: «مسامير قدميها.»
كانت قد نسيت هذه اللعبة منذ فترة طويلة ولم تتذكرها إلا مؤخرا، وكانت ذكراها بمنزلة الضغط على جرح عميق.
Shafi da ba'a sani ba