ولم تمض مدة طويلة على تبادل المكالمات بينهما، حتى سافر إليها بلزاك، والتقى بها في نيوشاتل. ويقال إنها عند أول لقائها به أغمي عليها، من فرط التأثر. ولم تكن هذه السيدة البولندية جميلة، ولكن كان على وجهها مسحة جذابة من روحانية نفسها، جعلت بلزاك يعلق بها.
وعندما فارقها وعاد إلى باريس، لم يكد يمضي عليه يوم واحد حتى كتب لها يخبرها عن أتفه الأشياء وأقلها خطرا، وكان طول هذا الوقت تتوالى خسارته في مؤلفاته، بحيث باتت ديونه أربعة آلاف جنيه وهو في الأربعين من عمره، وكانت أكبر خسارته ناشئة عن شدة عنايته بتحرير مؤلفاته، حتى كان يتفق أحيانا مع أحد الناشرين على مقدار من المال لطبع كتابه، فإذا جاءته التجارب الأولى للطبع، أعمل فيها قلمه تحريرا وتغييرا، حتى تزيد كلفة الطبع عن مبلغ الإنفاق الذي بينه وبين الناشر، فكان يخرج من كتابه بعد تأليفه بخسارة غير قليلة. ومثل هذه الشدائد كانت جديرة بأن ينكسر أمامها قلب أي مؤلف آخر، فيتثبط بها عن المضي في إتمام عمله. ولكن بلزاك في ذلك الوقت كانت نفسه تتأجج بنار الحب التي أشعلتها في نفسه إفيلينا هانسكا؛ فقد كان يقضي في عمله نحو 18 ساعة، فإذا أعيا وانطرح على فراشه، يبغي النوم، تذكر إفيلينا، فيهب نشيطا مسرعا، ويكتب لها خطابا يشع بالحب والرجاء.
ومما يؤثر عن بلزاك قوله لها: «ليس يرضي الرجل في أول حبه سوى المرأة في آخر حبها.» وقوله: «الحب عندي هو الحياة، وما شعرت بالحياة قط كما أشعر بها الآن.»
وفي سنة 1842 مات زوج إفيلينا، وكان بلزاك ينتظر أن يتزوج حبيبته، ولكن ما أشد دهشته إذ لم تقبل حبيبته الزواج به على شدة حبها له وتعلقها به، وكانت تتعلل بالعلل، للرفض أو الإرجاء، فساعة تحتج بأولادها، وأخرى تحتج بأملاكها في بولندا، وما إلى ذلك.
وحقيقة الحال أن بلزاك كان يحبها ويشتهيها، أما هي فكان حبها إعجابا وعطفا في الأصل ليس غير، فلما عرض عليها الزواج لم تجد في نفسها تلك الدوافع التي تبعث في المحبين الرغبة في العيشة معا، ودوام قرب أحدهما من الآخر.
وأخيرا تزوج الاثنان في سنة 1850. وكان من حسن حظ بلزاك، أو حظهما معا، أن هذا الزواج لم يدم أكثر من خمسة أشهر، مات في نهايتها بلزاك بضعف القلب؛ لأنهما لو عاشا أكثر من ذلك، لما أطاقا العشرة ؛ فإن إفيلينا هانسكا إنما أحبت من بلزاك روحه وعبقريته، وهذا الخيال الذي تكون في رأسها من إدمان قراءة كتبه.
وقد وصف بلزاك علاقته معها في قصة صغيرة له تدعى «سيرافيتا» ليست من أجود قصصه، ولكنها تظهر القارئ على سر من أسرار النفس في الحب والقلى.
لاساله وصاحبته
كان القرن التاسع عشر بدء نهضة الاشتراكية وقيام العمال، الذي نرى أثره الآن في ظهور الأحزاب الاشتراكية على مسرح السياسة، وتقلدها زمام الحكومات، وهذا الانقلاب الهائل في روسيا.
وقد كان أكبر زعماء الاشتراكية في ذلك القرن يهوديين، أحدهما كارل ماركس، والآخر فرديناند لاساله.
Shafi da ba'a sani ba