وبموته تغيرت جورج صاند، فهدأت طبيعتها، وتحول نظرها عن متجهه الأول؛ فقد صارت من حيث العواطف كالبركان الميت، في حين أن ذكاءها تنبه، فأخذت تكتب قصصا ساذجة عن الحياة الريفية، وقصصا أخرى للأطفال غاية في الإتقان والبراعة. وماتت سنة 1876، فكان لموتها دوي عظيم في جميع أندية الأدب في أوروبا.
ويحسن بنا أن نختم مقالنا هذا بكلمة قالها عنها بلزاك، وهو أستاذ في استكناه النفوس، قال:
كانت أنثى تعيش عيشة الأعزب من الرجال. وكانت أديبة سخية، ولية، طاهرة. وكانت صفاتها السائدة صفات الرجل، وعلى هذا يجب ألا ننظر إليها نظرنا إلى النساء. وكانت أما طيبة، يعبدها أولادها. أما من حيث الآداب، فقد كانت تنظر إليها نظر الشاب في سن العشرين؛ وذلك لأنها كانت في سويداء قلبها طاهرة، بل كانت أكثر من ذلك، كانت حيية خجولا. لم تكن هذه الفوضى البادية على خلقها إلا شيئا ظاهرا على السطح فقط، وما نزقاتها وطيشاتها إلا عنوان المجد في أعين أولئك الذين لهم نفوس شريفة.
وهذا حكم غريب. ولكن بلزاك كان يعرفها أكثر مما يعرفها عامة الناس. وكان ذا بصيرة نافذة إلى النفوس والقلوب، يعرف مستكناتها، ويقرأ ما تضمره مما تظهره.
كارليل وزوجته
كان كارليل من رجال الأدب الإنجليزي في القرن التاسع عشر، وكان يعنى بانتقاء الألفاظ، يتخير منها ذوات الرنين الفخم والصوت الضخم، وكان يبعد في هذا حتى يسف ويبهرج، ولكنه كان مع ذلك يفكر تفكير العبقري، ويستشف الحقائق من أستار الأوهام، ويخلص في تفكيره إخلاص العابد في صلاته. وهو أول أديب إنجليزي عني بالأدب الألماني عناية جدية، وعرفه إلى أمته. وقد ألف جملة كتب خالدة، أهمها كتاب «الثورة الفرنسية»، وكتاب «الأبطال»، و«فريدريك ملك بروسيا».
وتؤثر عنه حكم وأقوال بارعة، هي مضرب الأمثال الآن عند الكتاب، وباعثة التفكير عند جملة القراء، فمن ذلك قوله: «إنما الإنسان الحي أحجية ظاهرة، فهو يمشي بين أبديتين. ولو لم نكن عميانا كالخلد، لقدرنا إنسانيتنا بالخلود، ولما صارت قيمة مركز الشخص ونفوذه وما إليهما إلا كل شيء، فإذا قلت إنك إنسان فقد قلت كل شيء.»
وقوله: «أليست حقيقة الفكر أنه وحي؟»
وقوله: «إذا فكرت وأنضجت الفكرة، هل تجد شيئا أعجب من شيء؟ إني أنا لم أر أحدا قام من بين الموتى، ولكني رأيت آلافا قاموا من العدم. وليست بي قوة تحملني طائرا إلى الشمس، ولكن لي من القوة ما أرفع به ذراعي، وهذا العمل ليس أقل غرابة من ذلك.»
نشأ كارليل في عائلة أمية في اسكوتلاندا، وقد انتظم في سلك طلبة الدين بنية أن يصير راعيا لإحدى الكنائس، ولكنه لم يسر إلى نصف الطريق حتى عرف من سريرة نفسه أنه لم يخلق لهذا العمل، فتحول عنه إلى الأدب، وسار إلى أدنبره حيث قرر أن يكتب ليعيش، وأن يعيش ليكتب.
Shafi da ba'a sani ba