وعندما تزوج العروسان أمرهما الملك ألا يناما في غرفة واحدة، وأن يأخذا نفسيهما بالوقار، ولكن ماري أنطوانيت لم تكن لها هذه النفس التي تعرف معنى الوقار، وتتخذ سمت الملوك، فسارت سيرة النزق والطيش في القصر، وبلغت أخبار سيرتها إلى والدتها، فأرسلت إلى السفير النمسوي تقول له: «أخبرها أنها ستفقد عرشها، وقد تفقد حياتها أيضا، إذا لم تصطنع التبصر والتقية.»
ولكن النصائح لم تكن تجدي في ماري أنطوانيت، وربما كان يكون لها وقع لو أن زوجها كان على شيء من «الخلق العظيم». ولكنه هو الآخر لم يكن أهلا لأن يكون ملكا؛ فقد كان غبيا، لا يهتم إلا لشيئين في العالم، وهما الصيد والحدادة، فإذا لم يكن في الحقول والغابات، يقفو أثر طير أو ثعلب، كان أكثر ما يكون في دكان حدادة صنعها لنفسه، يقضي فيها وقته بين الكير والسندان، يصنع قفلا أو نعلا أو مسمارا، فإذا خرج من دكانه وقد كساه نواس الدخان، لقي زوجته وهي في ملابسها الهفهافة، وقد علاها زبد من النسيج المحزم، وعبق حولها أريج العطور.
وقد يكون في هذا الاختلاف بينهما في المزاج، ما يخفف من تبعة ماري أنطوانيت؛ فقد كانت تحب اللهو، بمقدار ما كان هو يحب الصيد وصنع الأقفال.
وقد كثرت الإشاعات عن ماري أنطوانيت كما كثرت الظنون، فكان البعض ينتقدها، بينما البعض الآخر يدافع عنها دفاع المتهكم المعتذر عنها. ولكن نتيجة ذلك كله كانت احتقارها هي وزوجها، في وقت كانا فيه في أشد الحاجة إلى احترام الجمهور؛ فقد كانت أمائر الطوفان الذي تنبأ به لويس الخامس عشر قد بدأت تظهر، وأخذ الاستياء تدب عقاربه بين طبقات الأمة. ومات الملك لويس الخامس عشر بالجدري، وأخرج من القصر في عربة قذرة، ليس حوله أحد من خاصته أو حاميته. وصارت بذلك ماري أنطوانيت ملكة تطاع، لا تجد من حميها ما يعارض أهواءها ويكبح جماح شهواتها.
وكانت هذه الأهواء، وهذه الشهوة، قوية، فانطلقت الألسنة حولها لا تتحرج في شيء تقوله عنها. وكان من أهواء ماري أن تلبس قبعة طويلة مزينة بعشرات من الريش الزاهي المختلف الألوان، وكانت تختار من الملابس الرحب المتهدل على الجسم، ولم تكن تستعمل الكورسيه، فكانت إذا خرجت إلى حفلة، بدت للناس كأنها في غرفة نومها.
وكان مسلكها هذا مدعاة إلى اتهام الناس لها بأفظع التهم، وكان الملك جامدا نحوها، لا يأبه بما تفعل. وبقيا مدة طويلة بلا عقب، حتى اهتم لذلك البلاط النمسوي، وكتب سفير النمسا يلمح إلى ضرورة وجود وارث للعرش.
وحدث في هذه الأثناء أن زار شريف أسوجي البلاط الفرنسي، وكان وسيما ذا طلعة بهية نبيلة، يدعى الكونت فرزن، وكان شابا صافي السريرة، ورأى الملكة فعلقها، وكتم هواه، فلم يكن يبدو للملكة منه سوى العطف الخفي، والإشارة المختلسة، والإيماء الكاسي بالوقار.
وكانت ماري أنطوانيت قد عرفت جملة محبين، ولكنهم كانوا يستغلون حبها لمصلحتهم، أما فرزن فلم يكن يبغي من الحب سوى الحب، فأكبرت الملكة هذه العاطفة الشريفة فيه، وكان قلبها قد ظمئ إلى الحب الصحيح الدائم، تركن إليه في وسط هذه الشهوات الجامحة الزائلة، فلما أيقنت بحبه لها استجابت له، ولبت رغبته فيها، وتبادلا كئوس الغرام.
ولم يمض قليل حتى أعلن أن الملكة قد حملت، وأنها على وشك الوضع، فكثرت تقولات الناس وتأولاتهم، وصار الهمس الخافت صوتا جهيرا؛ لأن حرمة الملوكية كانت قد زالت من النفوس، وتهيأت الأمة للوثوب على العرش.
وبلغ من عماية رجال البلاط أن شقيق الملك وقف شبينا للطفلة التي ولدت، وبينما الجموع تحتشد في الكنيسة الكاتدرائية الكبرى نوتردام، تقدم القسيس قبل التعميد، يسأل عن اسم الطفلة، فقال الشبين: «لا يحسن بنا أن نبتدئ بهذا السؤال، فلنسأل أولا عن أب الطفلة وأمها من هما؟» وتنوقلت هذه الكلمات، حتى صار يلوكها كل ساكن في باريس، وصار الناس ينظرون إلى فرزن نظرات التلويح والتلميح. ومما يؤثر عن علاقته بالملكة هذه القصة التالية التي كتبها في أحد خطاباته السفير الأسوجي في باريس إلى ملك أسوج:
Shafi da ba'a sani ba