195

History of Andalusian Literature (Era of the Taifas and Almoravids)

تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين)

Mai Buga Littafi

دار الثقافة

Inda aka buga

بيروت - لبنان

Nau'ikan

فإذا انتهى ابن حمديس من صورة البرد انتقل إلى صورة البرق، ثم إلى صورة النبت في المروج، ثم صور تنبه الصبح وطلوع الشمس، فأعلى للمنظر عمرا يمتد من ابتداء سقوط البرد حتى تفتح النهار، وغايته من كل ذلك إظهار براعته في الرسم، ولا شيء سوى ذلك. أي ان المنظر الطبيعي لم يعد عنده فاتحة لموضوع كالغزل أو وصف الشراب بل أصبح موضوعا مستقلا ترسم أجزاءه على التوالي واحدا اثر آخر.
ولم يكن هذا الاتجاه هو الغالب على شعر الطبيعة في عهد الطوائف ولعل ابن حمديس إنما جرى به شوطا إذ طاع له النسق الموسيقي الجميل وشيء من التوليد في الصور والمعاني. وهناك اتجاه قوي آخر يوازيه وفيه تصبح الزهرة أو المنظر الطبيعي أداة للتذكر، وقد أكثر منه شعراء الغزل وبخاصة أبو عبد الله ابن السراج المالقي شاعر بني حمود، فقد كان هو وصاحبه أبو علي ابن الغليظ يرتادان الأماكن الجميلة وينظمان الأشعار، وكان المالقي مفتونا بجارية تدعى أزهر، وبأخرى تدعى " حسن الورد ". وحدث ابن الغليظ أنهما كانا يوما على جرية ماء، في موضع حسن يحار فيه الطرف، وكان يهيجه للقول فقال (١):
شربنا على ماء كأن خريره ... خرير دموعي عند رؤية أزهر
حلفت بعينيها لقد سفكت دمعي ... بأطراف فتان وألحاظ جؤذر وورد عليه يوما رسول " حسن الورد " ومعه قفص فيه طائر يغرد فأقرأه سلامها ورفع إليه القفص هدية منها، وجلس هو وصديقه يتحدثان عنها، وبين أيديهما ورد كثير نضير معلق من أغصانه، فقال:

(١) الذخيرة ١⁄٢: ٣٦٣.

1 / 201