راحت تقص علي ما تلقاه من إهمال زوجها، وهذا الموضوع بطبيعته يؤدي إلى ما انتهى به الأمر بيننا.
واستمر الحال على هذا سنوات ثلاثا وبضعة أشهر لم يكشفنا أحد؛ فقد كان من العسير أن يكشفنا أحد.
في أحد الأيام تيقظت من نومي على صراخ هائل يشق الفجر، وهرولت أسأل، لقد مات الزوج، كيف؟ لا أدري. مات.
أنا لا أدري كيف مات، لقد كان مريضا منذ زمن بعيد، وكان من الطبيعي أن يموت، لم يكن يمتثل لأوامر الطبيب، وكان يحب أن يبدو أمام الناس شابا، أما أمامي فلم يكن يستطيع أن يبدو شابا، ولا أن يبدو رجلا على الإطلاق، لم يكن يستطيع، ولكن ماذا يريد هذا الشاب الذي يقيم بالدور الأعلى، لم أعد أريد صداقته، لم أعد أريد، لا أدري لماذا لم أعد أريد أصعد إليه، ولا تعجبني ملاحقته لي بالتليفون، حاول أن يجيء إلى البيت فنهرته ومنعته؛ فالخادمة معي، ولا يعقل أن يدخل البيت، لماذا يلاحقني وقد قلت له لا أريد؟ يريد أن يعرف لماذا؟ ماذا يهمه أن يعرف؟ المهم أنني لا أريد، ألا يكفي هذا سببا؟ أيظن أنني ما دمت أنا التي قدمت إليه نفسي فمن حقه أن يفرض علي نفسه؟ إن أصر على هذه الملاحقة فسأترك العمارة والحي وأذهب بعيدا إلى حيث لا يعرفني، يريد أن يلقاني، وما يهم؟ سألقاه، ماذا يستطيع لقاؤه أن يفعل؟! سألقاه. - ها أنا ألقاك. - لماذا؟ - لماذا تصر على أن تعرف لماذا؟ - لأعرف. - ماذا تستفيد من المعرفة؟ - مجرد المعرفة. - ليس هذا جوابا. - هل أخطأت في شيء؟ - أتظن أنك أخطأت في شيء؟ - أنا لا أعتقد ذلك. - فلماذا تسأل؟ - لعلي أخطأت في شيء وأنا لا أعرف. - لم تخطئ. - إذن؟ - لا أحب الخيانة. - وما كنا نفعله. - آه، هذا؟ - نعم. - كنت أخون زوجي. - ثم؟ - ومات زوجي. - أعرف هذا. - وأنا لا أحب الخيانة. - ألم تكن خيانة وزوجك حي؟ - نعم كنت أخون زوجي. - أليست هذه خيانة؟ - ليست هذه هي الخيانة التي لا أحبها. - فما الخيانة التي لا تحبينها؟ - لم يعد زوجي موجودا، لا أحب أن أخون نفسي.
في الطريق ولن أعود
موجود بلا وجود أنت. لا يهمني في شيء أن تأكل وتشرب وتعيش وتنام؛ فأنت عندي لا وجود لك ولا كيان ولا حياة. أنا لا أعرفك، لست أنت، أنا لا أريد أن أعرفك، ولا أريد أن أذكرك، وكم أتمنى ألا أراك، علم الله أن هذه الحياة التي تقوم بيننا حرام، لا تستند إلى شرع ولا تعتمد على قانون، فهي ليست قائمة وهي ليست موجودة، وأنت غير موجود، غير حي، أنت عندي وهم، أنت ماض لم يعد له حاضر، أنت ذكرى بددها واقع، أنت حلم قضى عليه ظهور النهار.
نعم إني مخطئة، ولكن ألم أدفع ثمن الخطأ الذي ارتكبت، وهبني أجرمت ألا يدفع المجرم ثمن جريمته بعض وقت يقضيه في السجن، ثم هو بريء؛ فكيف تريد الحياة أن تحكم علي بالإعدام وأنا لم أقتل أحدا إلا لكرامتي، وكيف تريد أن ترغمني على هذه الحياة؟ كنا في مطالع اللقاء الأول بيننا نقول إن الحياة بلا حب هي الموت. بربك ألم تشعر بعد أن حبا بيننا لم يعد له وجود؟! تدعي في أحيان أنك تحبني، إنك كاذب، لا تستطيع أن تشعر بنبضة من حب لإنسانة تكن هذا القدر من الكره الذي أكنه لك وتزعم أنك لا تعمل إلا ما تمليه عليك مشاعرك، أية مشاعر هذه التي تملي عليك هذا الامتهان لإنسانيتي، وهذا التحقير لعواطفي؟! أنت غير موجود، غير موجود.
إن دخولك البيت وخروجك على مشهد مني، وحديثك الجاف المتعالي دائما، وطعامك المتكبر المتأله، ومعاشرتك البعيدة كل البعد عن الإنسانية، كل هذا لا يستطيع أن يجعل من وجودك وجودا. أنت غير موجود.
كنت موجودا دائما قبل أن نتزوج، كنت نبضات قلبي، وكنت فكري، وكنت دمائي، ولم نكن يومذاك في بيت واحد، وكان البيت الذي أعيش فيه يكرهك جميعا، وكان لا يطيق أن يذكر اسمك، فلم يكن اسمك يذكر، وكنت موجودا.
كنت حنانا، وكنت همسة حبيبة توشوش أنفاسي وآمالي وغدي. كنت موجودا.
Shafi da ba'a sani ba