كان في مصر شقيقان، أحدهما يخدم السلطان، والآخر يعيش بجده وكده، وكان الأول غنيا لقربه من صاحب الملك، والآخر فقيرا لاكتفائه بالقليل، وجد في الابتعاد عن القال والقيل، فأشفق الغني على أخيه، وأراد أن يقربه منه ويواسيه، فقال له: لماذا يا أخي لا تخدم السلطان، وتريح نفسك من عناء العمل فيما لا يعود عليك بالمال الكثير، والشرف الخطير؟! فقال له أخوه وهو يحاوره: ولماذا أنت يا أخي لا تعمل كما أعمل لتنقذ نفسك من ربق الخدمة وذلها؟! ألا تذكر قول من قال: العيش في ظلال الفقر خير ممن عاش ذلا في ظلال الغنى؟ ألا تعلم يا أخي أن حمل الأثقال ورقع النعال خير لدى الحر من احتمال كبرياء الأنذال؛ طمعا فيما ينال المرء من نوال؟
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد
ذخرا يكون كصالح الأعمال
اعلم يا أخي، أن الغر يقضي أيام عمره في اللهو والطرب، ولا يهتم إلا بالمأكل والمشرب، والعاقل يقنع بكسرة من الخبز اليابس إذا عاش حرا؛ فهي لديه أفضل من موائد الأغنياء، وحبذا كسرة مقرونة براحة الضمير وحرية النفس، ولا حبذا طعام الملوك مقرونا بالمذلة:
وأفنية الملوك محجبات
وباب الله مبذول الفناء
فما أرجو سواه لكشف ضري
ولا أفزع إلى غير الدعاء
كسرى أنوشروان
سبيل الموت غاية كل حي
Shafi da ba'a sani ba