فالناس اليوم يابني في مدن القرى مختلطون، يموجون ويختلط بعضهم في بعض كما تموج أمواج البحر بالماء، ليس فيهم ولا منهم محق يقوى عليهم، وأحكام الله وآدابه في كتابه لا تنفذ فيهم، فقد اخلتط علية ([21]) من في المدن والقرى بسفلهم، وطال اختلاطهم وثواهم بينهم حتى جروا على سيرتهم، وصاروا لا يستقبحون قبيحا، ولا يرون دناءة ولا فاضحا فضوحا، والإلف للغلبة السفلة، وصارت السفل لكثرتهم وغلبتهم قد رهقتهم الذلة، واحتاج هؤلاء الذين لهم أصول وحرية إلى أولئك فكلهم في مذهبه وخلقه هالك.
قد استحسن من في القرى والمدن من بقايا كرام الناس ما يستحسن من غلب على القرى والمدن من سفل الأجناس لغلبة الغوغاء والرذالة وسقاط الأمم والسفلة على القرى وكثرة عددهم فيها، فقد غرق بينهم وخزي وذل وقل كل من آوى إليها من أهل الدين والحسب، وكاد أن يبطل بل قد بطل كل ذي دين ونسب.
فالمهرب المهرب يابني من القرى والمدن، الهرب الهرب فلو لم تهربوا منها وتباعدوا إلا لذل الأحرار وفقرهم بها، وأن السفساف من لا خطر له ولا دين قد غلبوا وكثروا وحازوا جميع معايشها، فذكرهم بالقرى والمدن الذكر الرفيع العالي، وفيهم اليسر والثروة والعدد والأموال، وتوارثوا مع ذلك الحيرة في الدين والضلال، ممن كان قبلهم في القرون الخوال، من أهل الشرف في أخلاقهم، والعلو في ولادتهم وأنسابهم، لأمور عرضت من حسد وضغائن حالت بينهم وبين طاعة ربهم لا يمكننا شرحها كلها، ومن فهم فروعها فتدبرها فهم أصولها، فقد اشتبه أهل الأرض في معصية الله ورسوله، ومخالفتهم لأنبيائه صلوات الله عليهم وتنزيله، فكلهم أو أكثرهم ضال عن أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في مذهبه واعتقاده وقوله وفعله.
Shafi 66