ووقفت الدوافع السياسية إلى جانب الرافعي تؤيده وتشد أزره، وإن لم يكن له في السياسة باع ولا ذراع.
وبلغت الصيحة آذان شيوخ الأزهر، فذكروا أن عليهم واجبا للدفاع عن الدين والقرآن فجمعوا جماعتهم إلى جهاد.
وتساوقت الوفود إلى الوزارة تطلب إليها أن تأخذ طه بما قال؛ وإن طه لأثير في وزارة الأحرار الدستوريين وأصدقائهم، ولكنها لم تستطع أن تتجاهل إرادة الرأي الإسلامي العام ...
ومضى الرافعي في حملته تؤيده كل القوى وتشد أزره كل السلطات.
ونشطت النيابة العمومية لتنظر في شكاوى العلماء وتحدد الجريمة وتقترح العقاب، فعرف الدكتور طه حسين أن عليه وقتئذ أن يقول شيئا، فكتب كتابا إلى مدير الجامعة، يشهده أنه مسلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ... ولكن الرافعي لم يقنع فمضى في النقد على جادته!
ولم تجد الجامعة في النهاية بدا من جمع نسخ الكتاب من المؤلف ومن المكتبات لتمنع تداوله، لعل ذلك يرد الفتنة التي توشك أن تعصف بكل شيء حتى بالجامعة، ولكن الرافعي لم يقنع فاستمر في حملته على الدكتور طه حسين، ولا ظهير له يومئذ غير الدكتور زكي مبارك ...
ليس من شأني أن أنص الحكم في هذه القضية، فإن وثائق الدعوى ما تزال بين أيدي القراء، وليس يهمني لمن كانت الغلبة، فهذا كتاب للرواية لا للرأي، ولكن الذي يجب أن يعرفه القراء، هو أن الدكتور طه حسين لم يحاول الدفاع عن نفسه إلا دفاعا سلبيا فأوى إلى الصمت، ويزعم الدكتور زكي مبارك «أن الدكتور طه حسين كان معقول القلم واللسان - في هذه المعركة - بفضل الإشارات التي صدرت إليه بأن يترك العاصفة تمر، حتى لا يهزم أنصاره أمام الحكومة وأمام البرلمان!» وهو قول لا أدري أيقصد به الدكتور زكي مبارك أن ينتصر لطه أو للرافعي، ولكنه قول صديق عاقل على كل حال ...!
لقد كانت هذه المقالات التي ينشرها الرافعي في كوكب الشرق صيحة مدوية وصلت إلى كل أذن، فما أحسب أحدا في أدباء العربية وقرائها قد فاته منها شيء، وكان المصريون وقتئذ مكمومة أفواههم عن السياسة والحديث في شئونها، فلعلهم وجدوا في هذه المقالات ما يعزيهم عن شيء بشيء؛ إذ كان طه عندهم يومئذ ما يزال هو طه حسين عدو سعد، ومحرر جريدة السياسة، وصديق الأحرار الدستوريين ...!
لا أزعم أن اهتمام الناس جميعا في مصر بهذه المقالات؛ لأنهم جميعا قد صار لهم في شئون الأدب رأي، أو لهم في الذود عن الإسلام حمية، لا، ولكنه نوع من التعصب السياسي جاء اتفاقا ومصادفة في الوقت نفسه، ليكون تأييدا لقول الله وانتصارا لكلمته، على أن هذه المقالات بإقبال الناس عليها - لسبب أدبي أو لسبب سياسي - قد بعثت روحا دينية كانت راقدة، وأذكت حمية كانت خامدة، وألفت قلوبا إلى قلوب كانت متنافرة، ونبهت طوائف من عباد الله كانت أشتاتا لتعمل للذود عن دين الله.
وإني لأذكر مثلا مما كان من إقبال الناس على هذه المقالات، أنني - وكنت طالبا في دار العلوم - لم أكن أطيق الانتظار حتى يجيء بائع الصحف إلى الحي الذي أسكنه لآخذ منه كوكب الشرق، بل كنت وجماعة من الطلاب نستعجل فنقطع الطريق من «المنيرة» إلى «باب اللوق» راجلين لنشتري من الأعداد المبكرة المسافرة إلى حلوان؛ لنقرأها قبل أن يقرأها الناس. •••
Shafi da ba'a sani ba