ورأس أسرة الرافعي هو المرحوم الشيخ عبد القادر الرافعي الكبير المتوفى سنة 1230ه بطرابلس الشام، ويتصل نسبه بعمر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين - رضي الله عنه - في نسب طويل من أهل الفضل والكرامة والفقه في الدين.
وأول وافد إلى مصر من هذه الأسرة هو المرحوم الشيخ محمد الطاهر الرافعي، قدمها في سنة 1243ه (قريب من سنة 1827م)؛ ليتولى قضاء الحنفية في مصر بأمر من السلطان العثماني في الأستانة، وأحسب أن مقدمه كان أول التاريخ لمذهب الإمام أبي حنفية في القضاء الشرعي بمصر، ولم يعقب الشيخ محمد الطاهر غير فتاة وغلام، انتهى بموتهما نسبه، فليس في مصر أحد من ولده، ولكنه كان كرائد الطريق لهذه الأسرة،
2
فتوافد إخوته وأبناء عمومته إلى مصر يتولون القضاء ويعلمون مذهب أبي حنيفة، حتى آل الأمر من بعد أن اجتمع منهم في وقت ما أربعون قاضيا في مختلف المحاكم المصرية، وأوشكت وظائف القضاء والفتوى أن تكون مقصورة على آل الرافعي، وقد تنبه اللورد كرومر إلى هذه الملاحظة فأثبتها في بعض تقاريره إلى وزارة الخارجية الإنجليزية.
وقد تخرج في درس الشيخ محمد الطاهر وأخيه الشيخ عبد القادر الرافعي أكثر علماء الحنفية الذين نشروا المذهب في مصر، ومن تلاميذهما الأدنين المرحومان الشيخ محمد البحراوي الكبير والشيخ محمد بخيت مفتي الدولة السابق.
ولما توفي المرحوم الإمام الشيخ محمد عبده، كان شيخ الحنفية في مصر يومئذ هو المرحوم الشيخ عبد القادر الرافعي، فدعاه الخديو عباس إلى تولي وظيفة الإفتاء، وكان رجلا زاهدا ورعا فيه تحرج وخشية، فلم يجد في نفسه هوى إلى قبول هذا المنصب؛ تحرجا من فتنة الحكم وغلبة الهوى في شأن يتصل بحقوق العباد وفيه الفصل في الخصومات بين الناس ... فلما بلغته دعوة الخديو ذهب إلى لقائه وفي نفسه هم، وهو يدعو الله ألا يئول إليه هذا الأمر ضنا بدينه ومروءته ... وتمت مراسيم التولية وتلقى الأمر من صاحب العرش بقبول وظيفة «مفتي الدولة»، ثم نزل إلى عربته فركبها عائدا إلى داره وهو يتمتم ويدعو، فلما بلغ الدار نزل الحوذي ليفتح له العربة ويساعده على النزول، فإذا هو قد فارق الحياة قبل أن يجلس مجلس الحكم مرة واحدة ليقضي في شئون العباد ... واستجاب الله دعاءه ...!
وأبو الأستاذ الرافعي هو المرحوم الشيخ عبد الرازق الرافعي، كان رئيسا للمحاكم الشرعية في كثير من الأقاليم، وهو واحد من أحد عشر أخا اشتغلوا كلهم بالقضاء من ولد المرحوم الشيخ سعيد الرافعي، وكان آخر أمر الشيخ عبد الرازق رئيسا لمحكمة طنطا الشرعية، وفي طنطا كانت إقامته إلى آخر أيامه، وفيها مات ودفن، وفيها أقام المترجم وإخوته من بعد في بيت أبيهم، فاتخذوا طنطا وطنا ومقاما، لا يعرفون لهم وطنا غيرها، ولا يبغون عنها حولا، ولقد حاولت وزارة العدل (الحقانية) أكثر من مرة أن تنقله إلى غير طنطا، فكان يسعى سعيه لإلغاء هذا النقل؛ حتى لا يفارق البلد الذي فيه رفات أبيه وأمه، وفيه مسجد السيد البدوي.
3
وكان الشيخ عبد الرازق رجلا ورعا له صلابة في الدين وشدة في الحق، ما برح يذكرهما معاصروه من شيوخ طنطا.
حدثني نسيب قال: «كنت غلاما حدثا، وكان الشيخ عبد الرازق الرافعي من جيراننا وأحبابنا الأجلاء، وكان يتخذ مجلس العصر أحيانا في متجر جاره وصديقه المرحوم حسن بدوي الفطاطري، في شارع درب الأثر، ودرب الأثر يومئذ هو شارع المدينة وفيه أكبر أسواقها التجارية ، ففي عصر يوم من رمضان، كان الشيخ عبد الرازق يجلس مجلسه من متجر صديقه، فمر به رجل ينفث الدخان من فمه وبين أصبعه دخينة، فما هو إلا أن رآه الشيخ عبد الرازق، حتى اندفع إليه، فانقض عليه، فأمسك بثيابه، فدعا الشرطي أن يسوقه إلى «القسم»؛ لينال الحد على إفطاره في رمضان في شارع عام، وما أجدى رجاء الرجل ولا شفاعة الشفعاء، فسيق الرجل إلى القسم في «زفة» من الصبيان، ليتولى الشيخ حده بنفسه على إفطاره، وما كان القانون يأمر بذلك، ولكن الشرطة ما كانوا ليخالفوا أمر قاضي المدينة، وما كانوا يعرفون له عندهم إلا الطاعة والاحترام.»
Shafi da ba'a sani ba