65

وما كان يعني في الحقيقة غير الخديو عباس وشاعره أحمد شوقي، وما كان بالقارئ من حاجة إلى البراعة لفهم هذه المواربة المكشوفة ... فقد فهمها كل قراء المؤيد من الأدباء، ولم يخف مقصدها على أحد غير محرر المؤيد الأول في تلك الآونة: أحمد حافظ عوض الذي ترك منصبه في قصر عابدين؛ ليشرف على تحرير هذه الصحيفة في أدق مرحلة من مراحلها، وخاتمتها ...

أولا: لم تنشر تلك القصيدة عن الخديو وشاعره إلا في المؤيد دون غيره من الصحف اليومية والأسبوعية؟ ...

فضيحة من فضائح الأدب والصحافة لم ينم لها حافظ، ولم ينم لها شوقي، ولم تنم لها نظارة الأوقاف ... وأولهم ناظرها في ذلك الحين - محمد محب باشا - وقد كان متهما في الحاشية الخديوية بمحاباة الإنجليز ...

وحضر «حافظ عوض» ذات يوم إلى ديوان الوزارة، ولقيته في مكتب الوزير، ولا أدري على التحقيق هل دعاني أحد إلى المكتب للقائه، أو ذهبت إلى المكتب بغير دعوة من أحد لسبب من أسباب العمل في مذكرات المجلسين: مجلس الإدارة، والمجلس الأعلى ...

ولكنني لقيت حافظا يبتدرني بالسؤال والسلام، ويقول لي مازحا: ماذا تصنع هنا؟ إن مكتبك مستعد بدار المؤيد، وإن عملك الذي خلقت له أن تكتب المقالات لا أن تلخص المحاضر والمذكرات.

ثم قال: إن صفحة الأدب في المؤيد تحتاج إلى أديب يتفرغ لها، ولا ينظر في عمل من أعمال الصحيفة غير كتابتها، أو الإشراف على ما يكتب فيها ...

قال: ولو أن وقتي كان يتسع للتفرغ لهذه الصفحة لما استغفلني هذا «الولد»، ودرس علينا تلك القصيدة المسمومة التي جعلتنا سخرية المجالس الأدبية.

ولم أتردد في قبول الدعوة إلى تحرير الصفحة الأدبية في شيخ الصحافة العربية، فإنني لم أكن أطمح في الرابعة والعشرين إلى عمل أهم من هذا العمل في الصحافة ... فإن كانت لدي بقية من الرغبة في صناعة القلم من طريق الصحف، فلا انتظار إذن لما هو أولى بالقبول من هذه الدعوة بعد أن جاءتني بغير عناء، وبغير طلب ... ولا محل للتردد إلا أن يكون عملي في نظارة الأوقاف أحب إلي وأجدى علي من العمل في الصحافة، ولم يكن عملي في النظارة مرضيا لي في حياتي الأدبية، ولا في حياتي المعيشية، فعلام التردد؟ وفيم البقاء؟ ...

العودة إلى الصحافة

وامتلأ مكتبي «الخالي» بدار المؤيد قبل أن ينقضي الأسبوع ... ولم يمض أيام حتى عاودني الطالع القديم: ذلك الطالع الذي تحدثت عنه في مذكرة سابقة من هذه المذكرات ... لا أدخل عملا إلا وجدته في مرحلة من أدق مراحل تاريخه، منذ عملت في الوظائف الحكومية، إلى أن عملت في الصحافة، وإلى أن عملت في ديوان الأوقاف، إلى أن عاودت العمل في الصحافة كرة أخرى!

Shafi da ba'a sani ba