تجمعت المتاعب دفعة واحدة، وبدا لي كأنني مريض بكل داء، معروف وغير معروف ... ولا مرض هناك غير الركود والإعياء بإجماع الأطباء، ومنهم الفطاحل العالميون الذين يفدون إلى المدينة مشتغلين، أو يفدون إليها في حواشي الأمراء ...
وتملكتني فكرة الموت العاجل، فأدهشني أنني لم أجد في قرارة وجداني فزعا من هذه الفكرة، وكدت أقول لنفسي: إنني أطلبها ولا أنفر منها ...!
وإخال أن صدمة اليأس كانت أشد على عزيمتي من صدمة المرض، أو على الأصح، من صدمة الإعياء ...
وأشد ما أصابني من هذا اليأس أنه كان يأسا من جميع الآمال، ولم يكن يأسا من أمل واحد ...
خلاصة الأمل
كان يأسا من معنى الحياة، ومن كل غاية في الحياة؛ لأنني قبل ذلك بشهر عكفت على القراءة في كتب «الفلسفة المادية»، وأكثرت من النظر في مذهب النشوء والارتقاء، فلاح لي أنه أصدق من أقوال خصومه المتعصبين الذين تصدوا للرد عليه بين الأوروبيين باسم الدين، ولاح لي من النظرة الأولى على غير روية فيه أنه يهبط بالإنسان إلى حضيض الحيوان، ولا يبقي بينه وبين السماء معراجا واحدا يرتفع عليه ...
وكذلك كتبت في مقدمة كتابي «خلاصة اليومية» أن «الإنسان حيوان راق ولكنه حيوان» ...
وقصة «الخلاصة» هذه هي قصة الأمل الذي بقي عندي يومئذ في شهرة الأدب، وفي عدد الأيام التي أقضيها قبل ظهور هذا الكتاب، وكنت أظنني مبالغا إذا حسبتها بأكثر من الأيام!
هو الموت إذن كما استقر في خلدي بلا أثر ولا خبر ... وهو الموت إذن أمضي إليه صفر اليدين من مجد الأدب ومن مجد الدنيا، ومن كل مجد يبقى بعد ذويه ...
وهل هذا يليق؟ يا ضيعة لرجاء المجد المتطلع إلى عشاقه وعباده؟ ... فهل أقل من هدية في اليد تجبر خاطر العرف على أبواب الأبدية؟ وهل يقال: إنه يجلس على الأبواب في انتظار زيارة فارغة اليدين؟
Shafi da ba'a sani ba