بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين .
6
فمن أسلم وجهه لله وهو مؤمن فأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، أولئك لا يخافون في الحياة فقرا ولا مذلة لأن الإيمان غاية الغنى وغاية العزة. والعزة لله جميعا وللمؤمنين.
والنفس الراضية المطمئنة إلى هذا الإيمان لا تستريح إلا في الدأب لمعرفة أسرار الكون وسننه كيما تزداد بالله اتصالا. وسبيلها إلى هذه المعرفة البحث والنظر في خلق الله مما في الكون نظرا علميا دعا القرآن إليه وجد المسلمون الأولون فيه، وهو الطريقة العلمية الحديثة في الغرب. على أن الغاية منه تختلف في الإسلام عنها في الحضارة الغربية. فهي في الإسلام ترمي إلى أن يجعل الإنسان من سنة الله في الكون سنته ونظامه، على حين ترمي في الغرب إلى الاستفادة المادية مما في الكون. وهي في الإسلام ترمي أولا وقبل كل شيء، إلى حسن العرفان بالله كلما ازداد زادنا إيمانا به جل شأنه. وهي ترمي إلى حسن العرفان من جانب الجماعة كلها لا من جانب الفرد وحده. فالكمال الروحي ليس مسألة فردية صرفة، فلا محل لأن يعني الناس أنفسهم جماعة بها، بل هو أساس الحضارة للجماعة الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها. وواجب لذلك على الإنسانية أن تدأب في سبيل هذا الكمال الروحي أكثر من دأبها للوقوف على حقيقة المحسوسات، وأن تجعل من معرفة أسرار الأشياء وسنن الكون وسيلتها إلى هذا الكمال أكثر مما تجعل من هذه المعرفة وسيلة للسلطان المادي على الأشياء.
ليس يكفي لبلوغ هذه المرتبة من الكمال الروحي أن نستعين بمنطقنا وحده، بل يجب أن نمهد لقلوبنا وعقولنا سبيل الوصول إلى أسمى ما نستطيع الوصول إليه من هذا المنطق. وإنما يكون ذلك بالتماس العون من الله واتجاه الإنسان إليه تعالى بقلبه وروحه، إياه يعبد، وإياه يستعين، للاهتداء إلى أسرار الكون وسنن الحياة. وهذا هو الاتصال بالله شكرا لله على نعمته، ليزيدنا اهتداء إلى ما لم نهتد إليه. قال تعالى:
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ،
7
وقال جل شأنه:
واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين * الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون .
8
Shafi da ba'a sani ba