97

Rayuwar Almasihu

حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث

Nau'ikan

وجب الذهاب إلى بيت المقدس، ووجبت العلانية، ولا محيد عن الواجبين، ولتكن الآية الإلهية ما تسفر عنه الحوادث بعد حين.

وأدل شيء على الموقف الأخير في الرسالة المسيحية كان على منهاج السيد المسيح في أمثال هذه المواقف - موقف استخارة الحوادث - أنه - عليه السلام - سهر ليلة الوداع يصلي ويناجي ربه قائلا: «اعبر عني هذه الكأس يا أبتاه، كما تريد أنت لا كما أريد.» ثم أيقظ تلاميذه النيام، وقال لهم: «اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة، أما الروح فنشيط، وأما الجسد فضعيف.»

وقد أعد عدته لمواجهة أعدائه حيث لا بد أن يواجهوه، وأعد العدة لاستبقاء عزيمة تلاميذه، فطفق يهيئ أذهانهم لاحتمال ما يلاقونه من بلاء، وصرف عن أذهانهم أنها غزوة فتح تنجلي عن غلبة عاجلة على دولة الكهانة الدنيوية، فليوطنوا أنفسهم إذن على أسوأ ما يكون، بل لا ييأسوا إذا غلبهم الضعف فتفرقوا عنه، ولا يخامرهم الظن أنهم إذن قد خسروا المعركة، وانهزموا هزيمة الضياع، فهذا الضعف مقدور يتبعه لا محالة نصر قريب.

وتروي الأناجيل أنه - عليه السلام - دخل إلى بيت المقدس على ظهر أتان، كما جاء في بعض النبوءات عن مركب المسيح الموعود، وأنهم كانوا يحملون السعف أمامه، ويفرشون ثيابهم تحت أرجل مطيته، ويهتفون بهتاف النصر الذي يحفظه اليهود منذ الطفولة، ويتغنون به في المواكب والمحافل لذكرى داود، وذكرى مجده المستعاد إلى آخر الزمان.

ويفهم من وصايا السيد المسيح أنه ظل في بيت المقدس يرعى للكهان والفقهاء مكانتهم، ولا يقلقهم على ما هم حريصون عليه من حقوقها ودعاواها، ففي إحدى هذه الوصايا يقول مخاطبا الجموع والتلاميذ: «على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا؛ لأنهم يقولون ولا يفعلون.»

ولم تسمع منه في رواية الأناجيل كلمة واحدة يغير بها ما اختطه لنفسه في حكمته المأثورة عما لقيصر وما لله، فكل ما سمع منه في بيت المقدس يعيد ما أسلفه من بيان الملكوت الذي يدعو إليه، وأنه من غير هذا العالم، ولا شأن له بسلطان التيجان والعروش. •••

إلا أنه من اللحظة الأولى في بيت المقدس لمس مكامن الأشراك التي ترصد له في كل خطوة، وعرف من الأسئلة التي كانت تنهال عليه أن القوم يأتمرون به لإهلاكه، إذ كانت هذه الأسئلة جميعا تنزع إلى هدف واحد، وهو استدراجه إلى كلمة تثبت العصيان والتمرد على الدولة، أو كلمة تثبت «الكفر» ونقض الشريعة، وكانت أجوبته كلها على ما تعودوه في مواضع العنت والإحراج تستند إلى حجته، وتستقيم مع غايته ورسالته، وتخجل من يحاول إحراجه، وتهتك ما يستره من حجب الرياء، ولا يبعد أنه قد سمع من بعض رؤساء الهيكل تفصيل المؤامرة المحبوكة؛ لأن أحدهم وهو «نيقوديموس» كان يزوره ليلا، ولعله واحد من كثيرين.

ثم حدث ما لا بد أن يحدث في عيد كذلك، بين أناس متنمرين، وأناس متجردين لدعوة جديدة يتطوعون لنشرها ويتحمسون لصاحبها، فاشتبك السيد المسيح وسماسرة الهيكل في معركة أدبية لم تلبث أن انقلبت إلى معركة يدوية، فقلب - عليه السلام - موائد الصيارفة، وباعة الضحايا، وصاح بهم وبسماسرة الهيكل يذكرهم أنهم في بيت الله، وأنهم نقلوه من معبد صلاة وطهارة إلى مغارة لصوص.

وكانت هذه هي الوقعة الفاصلة على ما يظهر، وربما سعى إليها السيد المسيح تقريرا للموقف على وجه من الوجوه، فامتلأت الصدور الموغرة، واتخذت من درء الفتنة ذريعة إلى العمل العاجل، وبدأ العمل على النحو الذي تفرقت فيه أقوال النقلة والرواة.

وهنا ينتهي دور التاريخ ويبدأ دور العقيدة.

Shafi da ba'a sani ba