إن سماح جلالتك لي أن أقدم لها هذه الطبعة الثانية من كتابي لهو أحسن مكافأة لعملي الحقير، ولقد كان من الصعب قبلا أن يقدم مؤلف كتابه إلى ملك ولا يبالغ في عبارات المدح، أما اليوم فالمبالغة نفسها قاصرة عن أن تفي بمدح نابوليون.
ولكن يا مولاي، إذا كان العقل يدعوني إلى السكوت فالعواطف تأمرني أن أذيع على رءوس الأشهاد مآثرك وعرفاني الجميل.
وكان كورفيزار يوم ألقى عليه الإمبراطور نظرة الرضا شهيرا يشغل مكان الطبيب الأول في مستشفى الرحمة، والذي أعجبه منه بوجه خاص هو حسن التشخيص وبراعته التي لم يدانه فيها أحد.
الدكتور كورفيزار.
ثم جاء نابوليون مصر وسوريا، فلم يفعل فيه الحر ولا تعب السفر ، بل احتملت بنيته الضعيفة كل هذا فوق ما كان معرضا له من العدوى بالطاعون لاختلاطه بالمرضى وملامسته لهم.
وقد جرى جدال في إحدى جلسات المجمع العلمي في مصر عن عدوى الطاعون بين الجنرال والطبيب دجنت، فأبى هذا أن يوافق نابوليون على إنكار العدوى، وما كان نابوليون ينكرها عن جهل، بل إبعادا للخوف عن الجيش، فصاح به من الغضب: «تلك هي مبادئكم أيها الأطباء والصيادلة، تفضلون أن يموت جيش بأسره عن أن تضحوا بواحد منها.»
وأحسن وصف له بعد رجوعه عن مصر هو ما كتبه عنه خادمه الذي أقام معه 15 سنة، فقد ذكر أن الإمبراطور كان أصفر نحيلا نحاسي اللون، غائر العينين، مكشوف الجبين، قليل شعر الرأس، إلا أن جمال الزرقة في عينيه كان يعكس عواطف نفسه الحساسة في قساوة وحنو وشدة ولين، وكان فمه حسنا، وأسنانه بيضاء سليمة، وأنفه جميلا يوناني الشكل، أما رأسه فكان ضخما محيطه 22 بوصة مسطحا من الجانبين، شديد التأثر والإحساس، مما كان يضطره أن يضع في قبعته الجديدة قطنا ويكلف خادمه لبسها مرارا قبله حتى تلين، صغير الأذنين، قصير العنق، ضيق الكتفين، عريض الصدر على ندرة الشعر فيه، مفتول الساعدين والساقين، قامته خمس أقدام وبوصتان.
وقد ذهب نحوله فيما بعد دون أن يذهب بجماله، بل كان ملكا أجمل منه قنصلا، كأن الهموم والأطماع والشواغل التي أنهكت بونابرت قد تضاءلت وارتدت أمام نابوليون بعد أن بسم له الزمان وخضعت له دول الأرض وشعوبها.
الفصل الخامس
18 برومير
Shafi da ba'a sani ba