وأفض علينا من بركاتهم، واسلك بنا مسالك كراماتهم، وسلم علينا وعليهم تسليما كثيرا.
(وبعد) فإن أعظم العلوم مقدارا وأرفعها شرفا ومنارا، علم التفسير يوم الدين، والبنيان في الأصل الحائط مستعار منه لما يبنيه عليه الصلاة والسلام من الشريعة وأحكام الدين، والبركة النماء والزيادة فكأنه أراد بها علومهم ومعارفهم. قوله: (واسلك بنا مسالك كراماتهم) أي اجعلنا سالكين طرقا سلكوها ووصلوا بها إلى إكرامك وتعظيمك إياهم، والتسليم أن يقال: سلام عليك والمراد به ههنا التكريم والتعظيم. قوله: (وبعد فإن أعظم العلوم مقدارا) الفاء فيه إما على توهم أما قبل قوله: «بعد» كما ينجر الاسم على توهم حرف الجر قبله كما في قول الشاعر:
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
فإن قوله ولا سابق مجرور معطوف على قوله مدرك على توهم دخول الباء في خبر ليس. وإما على تقديرها في نظم الكلام وكأنهم لما حذفوها جعلوا الواو عوضا عنها جعل علم التفسير أعظم العلوم لأن شرف العلم بكون شرف موضوعه وبشرف معلومه وبشرف غايته وبشدة الاحتياج إليه وعلم التفسير مشتمل على هذه الجهات الأربع للشرف فيكون أشرف العلوم أما اشتماله على شرف الموضوع فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو منبع كل حكمة ومجمع كل فضيلة، وأما اشتماله على شرف المعلوم فلأن معلومه مراد الله تعالى المستفاد من كلامه وليس موضوع علم الكلام ذات الله تعالى وصفاته ولا معلومه ما يتعلق بهما فقط حتى يكون أشرف من علم التفسير بل موضوعه المعلوم مطلقا من حيث تثبت به العقائد الدينية وكذا معلومه ما يتعلق به مطلقا من تلك الحيثية، وأما شرف غايته فلأن غايته ما يترتب على تحصيل العقائد الدينية من الفوز بالسعادة الأبدية، وأما شدة الاحتياج إليه فلأن كل كمال ديني أو دنيوي عاجلي أو آجلي مفتقر إلى العلوم الشرعية ومدارها على العلم بكتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. قوله: (وأرفعها شرفا ومنارا) أي دليلا فإن المنار ما يستدل به على الشيء، ونير الطريق ما يتضح هو منه، وسميت المنارة منارة لأنها موضع إظهار ما هو نير دخول وقت الصلاة وعلامته وفي جعل شرفه أرفع من المبالغة ما لا يخفى فإنه بمنزلة أن يقال وأرفعها رفعة. وعلم التفسير هو علم يعرف به معاني كلام الله تعالى بحسب الطاقة البشرية وهو رئيس العلوم الدينية لنفاذ حكمه عليها ورأسها لتوقفها عليه لكونه مرجع معظم أدلتها ومبني قواعد الشرع أي مبني المسائل الكلية التي تتفرع عليها الأحكام المشروعة وأساسها المبنية هي عليه لأن القواعد إنما تبنى على
Shafi 19