صل عليه صلاة توازي غناءه وتجازي عناءه، وعلى من أعانه وقرر بنيانه تقريرا، بعض النسخ «وسيصلى سعيرا» بالرفع مع كونه معطوفا على المجزوم لوجود السين الدالة على الاستئناف بوعيد الآخرة، وأوثر هذا الطريق أعني إخراج الكلام عن صورة الجواب وإيراده على صورة الاستئناف والوعيد ليدل على أن دخول السعير أمر مقطوع به في حقه لا بد أن يحصل ذلك له ألبتة، لأن السين كما تدل على تأخر حصول الفعل إلى الزمان المستقبل تدل على أن حصوله فيه أمر مقطوع به بخلاف كونه ذميم العيش فإنه غير مقطوع به إذ قد يطيب عيشه استدراجا فلا يحسن أن يدخل عليه ما يدل على كونه مقطوع الوقوع وهو السين، فأورده مجزوما للدلالة على كونه مرتبا على إطفاء نبراسه وإبطال استعداده وإن لم يكن ذلك الإطفاء موجبا له. ثم إن المصنف لما ذكر الله تعالى باسم ذاته المستجمع لجميع صفات الجلال والإكرام وأورد يصلي عاريا عن الجزم للإشعار بكونه مجزوم الوقوع وبكونه منزلا للقرآن العجز على عبده المتوسط بينه وبين المكلفين من خلقه من حيث أن له مناسبة بالجناب الأقدس الفياض لكل خير بجهة تجرده فيستفيد منه ما نزل عليه وأوحي إليه ومناسبته بخلقه بجهة تعلقه، فيبلغ إليهم ما استفاده من ذلك الجناب ويكلمهم بحسب قوتهم النظرية والعملية ولزم من ذلك كونه تعالى واجب الوجود وفائض الجود وغاية كل ما يقصد ويراد باستعمال القوتين، قال على طريق الالتفات من الغيبة إلى الخطاب «فيا واجب الوجود ويا فائض الجود ويا غاية كل مقصود» أي يا من رضاه أو معرفته غاية كل ما يقصد ويراد قدر الرضى أو المعرفة لأن غاية الشيء في العرف عبارة عن كل حكمة ومصلحة تترتب على ذلك الشيء، ومعلوم أن ذاته تعالى لا تترتب على شيء. والفيض في اللغة كثرة الماء بحيث لا يسعه الوادي الذي يجري فيه الماء فيسيل من جوانبه يقال: فاض الماء فيضا وفيوضة إذا كثر حتى سال من جوانب مجراه، وفي الاصطلاح فعل فاعل يفعله دائما لا لعوض ولا لغرض، والجود إفادة ما ينبغي لا لعوض ولا لغرض. وههنا يستقيم كل واحد من معنى الفيض أما الثاني فظاهر وأما الأول فلتشبيه جوده تعالى بما زاد على مجراه فسال من جوانبه.
قوله: (توازي غناءه) أي تساوي وتعادل نفعه الذي حصل منه لأمته صلى الله عليه وسلم وظاهر أن نفعه عليه الصلاة والسلام لأمته أكثر من أن يحصى فتكون الصلاة عليه كذلك، ومقصوده أن يحصل له عليه الصلاة والسلام في مقابلة نفعه لأمته مثوبات غير متناهية ليستحق بذلك الحظ الوافر من الأجر بحكم قوله عليه الصلاة والسلام: «من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشرا» والغثاء بفتح الغين المعجمة والمد النفع. قوله: (وتجازي عناءه) بفتح العين المهملة والمد التعب أي صلاة تكون عوضا عن تعب حصل له في تبليغ أحكام الرسالة. قوله:
(وعلى من أعانه بنيانه تقريرا) أراد بهم الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء العاملين إلى
Shafi 18