ارضوا بما قسم الإله لكم به
ودعوا وراثة كل أصيد حام
أنى يكون وليس ذاك بكائن
لبني النبي وراثة الأعمام
الترجمة في عهد الرشيد
وفي عهد الرشيد عني العلماء أكثر مما كانوا من قبل بترجمة الكتب؛ ذلك أنه بدأت بشائر قليلة في الترجمة في عهد المنصور، فكان من جهة ممعودا يحتاج إلى أطباء ليعالجوه، ومن جهة أخرى كان ميالا إلى التنجيم؛ من كثرة ما خالط الشيعة، فلا يكاد يعمل عملا إلا استشار فيه المنجمين ... لذلك عني بالطب والنجوم، وقد كانت مدينة جنديسابور مشهورة بالطب من عهد كسرى، فاستقدم المنصور أحد أطبائها، وحمله على أن يقيم معهدا ببغداد كمعهد جنديسابور، كان هذا الطبيب يعرف اللغة اليونانية، والسريانية، والفارسية، والعربية، فلما رأى المنصور يقربه نقل له كتبا طبية من اليونانية غير التي ألفها باللغة السريانية، وعكف الناس على هذه الكتب، وقد قالوا: إن ابن المقفع نقل أيضا من كتب الفرس إلى العربية كتبا في المنطق والطب، كان الفرس قد نقلوها من اليونان.
فلما جاء المهدي كان الناس قد نضجوا بعض النضج في الترجمة؛ بفضل ما وضع في عهد المنصور، ولكنه شغل بحركة الزندقة؛ لأن المترجمين لم يقتصروا على ترجمة كتب الطب والتنجيم وغيرها، بل ترجموا أيضا كتب الزنادقة.
فلما فشت الزندقة في أيامه تفرغ لها، وقتل من اعتنقها من جهة، وأمر المتكلمين من جهة أخرى بالرد عليهم، وخصوصا المعتزلة.
وقد كانت نزعة الرشيد أقوى، وزمنه أهدأ، وماله أكثر، خصوصا وقد توافد على بغداد كثير من العلماء العارفين باللغات من السريان، والفرس، والهنود، والروم، وكان منهم من تعلم اللغة العربية؛ لأنها اللغة الرسمية للدولة، فحملهم على ترجمة الكتب، وقد توسعوا في الترجمة، وترجموا غيرها من فروع الفلسفة ... إذ كان الطب والتنجيم يعدان فرعين من فروعها، بجانب المنطق وما وراء الطبيعة، والطبيعة، وغير ذلك. •••
وكان الرشيد في حروبه الكثيرة مع البيزنطيين يفتح بلادا ومدنا تحتوي كتبا يونانية ورومانية كثيرة، فلم يكن يحرقها أو يبددها؛ بل ينقلها إلى بغداد في عناية ... من ذلك أنه عثر أثناء حروبه في أنقرة وعمورية على كثير من الكتب، فحملها إلى بغداد، وأمر طبيبه يوحنا بن ماسويه بترجمتها إلى العربية، كما أمر الحجاج بن مطر بترجمة كتاب إقليدس في الهندسة، وكانت ترجمته إلى العربية هذه لأول مرة، ثم ترجم فيما بعد ترجمة ثانية، وميزوا الأولى بأن أطلقوا عليها الترجمة الهارونية نسبة إلى هارون الرشيد.
Shafi da ba'a sani ba