فيه احتيالات وفيه رشد
وهو كتاب وضعته الهند
وفي عهد الرشيد ظهر شاعر ثالث ... هو بشر بن المعتمر المعتزلي الذي زج به الرشيد في السجن بعض الوقت لتشيعه ... إذ نهج نهجا لم يسبق إليه في وضعه قصيدتين، قالهما في الإشادة بحكمة الله المتجلية في الحيوان، وقد رواهما الجاحظ في كتاب الحيوان، إلى غير ذلك ... كما ظهر في عصر المأمون المواويل كما سنذكر ...
على كل حال اختلطت هذه الثقافات كلها، وصبت في بغداد، وتأثر بهما المسلمون إلى حد كبير، وكانت الزينة العقلية في بغداد في عصر الرشيد، واختلف الناس في الاستفادة منها بمقدار عقولهم وظروفهم، هذا يميل إلى الفرس، وهذا يميل إلى الهند، وهذا يميل إلى اليونان، وهذا يميل إلى الرومان.
دروس وتجارب
وبعد هذه المرحلة كان هناك من المسلمين من يصح أن يسموه كتاب دوائر المعارف مثل الجاحظ وأمثاله، وكانت هذه الثقافات سببا كبيرا من أسباب ازدهار الحضارة الإسلامية، وحسن سمعة الرشيد، على أن للرشيد بجانب هذه الدروس العربية التي كان يتلقاها دروسا أخرى من النظام الفارسي، كان يتلقاها باللغة العربية من يحيى بن خالد البرمكي، والفضل بن يحيى، وجعفر، وأمثالهم، وكان يتلقى بالعربية من اليونانية عن جبريل بن بختيشوع طبه وفلسفته، إذ كان الطب ملونا باللون اليوناني.
وكانت هناك ثقافة تفوق ذلك كله، وهي تجاربه في الحياة مما كان يرى في قصر أبيه، وما كان يراه من الجواري المختلفة الأجناس حوله، ومن حروبه المختلفة، ومما كان يشاهده من أبيه المهدي أيام حروبه للزنادقة، وامتحانه لهم، وتوجيه التهم إليهم ومحاكمتهم، ومن الأيام القاسية التي قاساها أيام كان أخوه الهادي يريد حرمانه من ولاية العهد، وتولية ابنه. •••
وإذا كانت الحياة كلها دروسا؛ فقد كانت دروسه كثيرة من كثرة ما لاقى، وما شاهد، وما سمع، وتمت تجاربه بعد أن نكل بالبرامكة، وتولى هو ما كان لهم من سلطان، وما كانوا يحملون من تبعات، وكان له ذوق في الشعر حاد شديد، وكان ذواقا يطرب للشعر، فيجلس من اتكاء، أو يقف من جلوس، وإذا كره شاعرا غضب منه غضبا شديدا، وكان له مذهب خاص في الشعر؛ يقول أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني: إن منصورا النمري ظفر بحظوته عند الرشيد؛ لأنه عرف مذهبه في الشعر، وهو أن يصل مدحه إياه بنفي الإمامة عن ولد علي، والطعن عليهم، وقد تعلم ذلك مما كان يبلغه من تقديم الرشيد لمروان بن أبي حفصة، وتفضيله إياه على الشعراء في الجوائز، فسلك في ذلك مسلك مروان، ونحا نحوه، وذلك مثل قوله:
خلوا الطريق لمعشر عاداتهم
حطم المناكب كل يوم زحام
Shafi da ba'a sani ba