ثم قال: «إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله بن عمر، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة، وقال لهم: «إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علي» - فعد الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة - فقال له سالم: «إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فصم عن الدنيا، وليكن إفطارك فيها على الموت»، وقال له محمد بن مطعم: «إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فليكن كبير المسلمين لك أبا، وأوسطهم لك أخا، وأصغرهم لك ولدا؛ فبر أباك، وارحم أخاك، وتحنن على ولدك».»
وقال له رجاء: «إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك»، فبكى هارون الرشيد بكاء شديدا حتى غشي عليه ... فقال الفضل بن الربيع: «ارفق بأمير المؤمنين»، فقال الفضيل: «يا ابن الربيع قتلته أنت وأصحابك وأرفق أنا به؟!» فلما أفاق قال: «زدني» ...
فقال: «يا أمير المؤمنين! ... بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكا إليه السرف فكتب إليه عمر يقول: «يا أخي اذكر سهر أهل النار، وخلود عباد الله فيها» فلما قرأ كتابه طوى البلاد حتى قدم عليه، فقال له عمر: «ما أقدمك؟» قال: «خلعت قلبي بكتابك، لا وليت لك ولاية أبدا حتى ألقى الله».»
وعاد الرشيد أيضا فبكى بكاء شديدا، ثم قال: «زدني»، فقال: «يا أمير المؤمنين! إن جدك العباس عم النبي
صلى الله عليه وسلم
جاء فقال: «يا رسول الله! أمرني على إمارة»، فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم : «يا عم! نفس تحييها خير من إمارة لا تحصيها ... إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل».»
فبكى الرشيد، ثم قال: «زدني»، فقال: «يا حسن الوجه، إن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل، وإياك أن تصبح أو تمسي وفي قلبك غش لرعيتك.»
فبكى الرشيد أيضا، ثم قال للفضيل: «أعليك دين ؟» قال: «دين لربي يحاسبني عليه»، فقال هارون: «إنما أعني دين العباد» فقال: «إن ربي لم يأمرني بهذا، وإنما أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره» فقال له الرشيد: «هذه ألف دينار خذها لعيالك، وتقو بها على عبادة ربك.»
فقال الفضيل: «سبحان الله! أنا أدلك على النجاة، وتكافئني بمثل هذا؟! سلمك الله»، ثم صمت.
Shafi da ba'a sani ba