346

فقال بهدوء: كانت الأمور معقدة.

فقال بتحد: بل الطمع في التركة! - كل تركة عدا عهد عاشور فهي لعنة. - ولكنك تتمتع بها لآخر لحظة في حياتك.

فقال العجوز بنبرة مضطربة: دعوتك لأعزيك، خذ نصيبك من التركة إذا شئت.

فقال شمس الدين وكأنه يكفر عن جريمته: إني أرفض كرمك. - إنك عنيد يا بني. - إني أنكر من أنكر أبي.

عند ذاك أغمض العجوز عينيه، فغادر شمس الدين المكان.

27

لم يجد شمس الدين بدا من مواجهة الحياة. انطبع وجهه بجدية تكبره بنصف قرن. أخذ نفسه بالتقوى والاستقامة. حل محل أبيه في إدارة العربات فهرب من ذاته بالإغراق في العمل. عرف في الحارة بقاتل أبيه. اعتبر لعنة متحركة مقابل المئذنة، تلك اللعنة الثابتة. ويتساءل أناس ماذا تتوقعون من شاب أبوه ابن حرام وجده صاحب المئذنة؟ صمم شمس الدين على تحدي اللعنة بوجهه الصارم وإرادته الصلبة وقلبه المترع بالندم. أخلص لدينه، تصدق على الفقراء، عامل زبائنه بالحسنى، مضى في الحياة منفيا ملعونا. استقرت في عينيه نظرة كئيبة، كره الفاكهة، تجنب الغناء والطرب، حذر من البوظة والغرزة، لفحته مشاعر الناس فكره الناس ولكنه تمسك بالحياة.

28

لم تجد عفيفة الجدع من دواء لحال شمس الدين خيرا من أن تزوجه. أعجبتها صادقة بنت بياع الفول فخطبتها له مزكية إياه بعمله وأصله، ولكن الأسرة أبت أن تزوج ابنتها من قاتل أبيه. ولم يكن شمس الدين يهتم كثيرا بالزواج، ولكن الرفض عمق جراحه فصمم على الزواج بأي ثمن.

وكانت توجد راقصة تدعى نور الصباح العجمي، مجهولة الأصل متهتكة. أعجبه منظرها فزارها متسترا بالظلام، لا ليعاشرها كما توقعت، ولكن ليخطبها! ودهشت البنت، وظنته يرسم لاستغلالها، ولكنه قال لها بصدق: بل أريدك ست بيت بكل معنى الكلمة.

Shafi da ba'a sani ba