323

تفكر قليلا، ثم قال: أوافق. - أن تشيد مئذنة ارتفاعها عشرة طوابق. - في الزاوية؟ - كلا. - زاوية جديدة؟ - كلا، مئذنة مستقلة. - ولكن! - دون مناقشة. - أوافق. - عش عاما كاملا في جناحك، لا ترى أحدا، لا يراك إلا خادمك، تجنب ما يذهلك عن نفسك.

فانقبض قلبه ولكنه قال: أوافق. - في اليوم الأخير يتم الالتحام بينك وبين الجني، ثم لا تذوق الموت أبدا.

54

أوقف جلال عبد ربه الناجي كبرى عماراته على حواء الجارية الحبشية.

اتفق مع مقاول على تشييد المئذنة العملاقة في إحدى الخرابات، وقد امتثل الرجل لما يطلب منه طمعا في المال وخوفا من البطش. وعهد بالعصابة إلى وكيله مؤنس العال، مزودا إياه بكافة الإرشادات. أعلن عن عام اعتزاله معتلا بأنه يوفي بنذر نذره. وقبع في جناحه يسجل الأيام كما فعل سماحة في مهجره، متجنبا القرعة والجوزة وزينات الشقراء. ومنى نفسه بالفوز في أكبر معركة خاضها بشر.

55

تلقت زينات الشقراء قراره كأنه ضربة قاتلة. قطيعة أليمة غير مسبوقة بتمهيد، وبلا سبب مقنع. إنها المرارة والخوف واليأس. ألم يكونا كالزبدة والعسل حلاوة وامتزاجا؟ وآمنت بأنها ملكته إلى الأبد. ها هو يغلق الباب مثل دراويش التكية هاجرا أحبابه في الحيرة والعذاب. بكت طويلا والخدم يصدونها عن الجناح. زارت أخاه المعلم راضي فوجدته في حيرة مماثلة.

جالست أباه عبد ربه في جناحه. لقد تغير العجوز فلم يعد يزور البوظة إلا فيما ندر، استقام وخشع، وهو مثلها في حيرة من أمر ابنه. قال: لا أستطيع رؤيته رغم أننا في دار واحدة.

عانت زينات حياة معذبة. لم يكن المال ينقصها ولكنها فقدت تاج الحياة، تزعزعت ثقتها بنفسها، وتجهمها المستقبل الغامض.

56

Shafi da ba'a sani ba