Gaskiya: Gabatarwa Ta Gajeren Lokaci
الحقيقة: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
على أي حال، تزداد الأمور تعقيدا وإثارة للحيرة بمجرد أن نحاول فهم معنى أن تكون شخصا وتملك نفسا؛ إذ يبدو أن هناك أربعة عوامل أساسية في هذا السياق؛ أولا: تقع النفس داخل الجسد، ومع ذلك فهي مستقلة عنه، فهي تملك الجسد الذي يدعم وجودها. ثانيا: نحن نعتبر أنفسنا ثابتين ومستمرين، هذا لا يعني أننا نظل للأبد كما نحن، ولا نغير رغباتنا أو ميولنا أو نظرتنا الأساسية للعالم. ومع ذلك ففي خضم كل هذا التغيير، يظل هناك شيء ثابت فينا يجعلنا الآن مثل ما كنا عليه من خمس سنوات مضت، ومثل ما سنكون عليه بعد خمس سنوات مستقبلة. ثالثا: النفس هي الكيان الموحد الذي يجمع كل شيء معا. يتجلى العالم أمامنا كمجموعة متنوعة متنافرة من المشاهد والأصوات والروائح والصور الذهنية وغيرها، ويتم تجميع كل هذه الأشياء داخل النفس لتنبثق منها صورة لعالم واحد موحد. وأخيرا: النفس هي «الفاعل»؛ بمعنى أنها المنتجة للأفكار والقائمة بالأفعال. إنها المكان الذي تستخدم فيه صورة العالم الكلية المتماسكة الموحدة من أجل التعامل مع هذا العالم نفسه.
كل هذه الملاحظات تبدو للوهلة الأولى يقينية وواضحة وضوح الشمس؛ فكل ما علينا هو أن ننظر لأنفسنا لنرى أننا لسنا جسدا وإنما شيء له جسد، وأننا نظل كما نحن عبر الزمن، وأننا وحدة التحكم المركزية التي تدخل إليها بيانات العالم وتصدر منها القرارات. ولكننا كلما نظرنا لهذه العوامل الأربعة بالتفصيل، تصبح أقل وأقل وضوحا.
كما أن أنفسنا تختلف عن أجسادنا طوال الوقت؛ فخلايا الجسم تستبدل بواسطة عملية التغيير الأيضي الطبيعية، وعلى الرغم من أن عملية الاستبدال تتم بسرعات متباينة بناء على نوع الخلية المعنية، فإنه بعد مدة زمنية كبيرة بما يكفي ستكون كل خلايا الجسم قد استبدلت. مع ذلك، فنحن ما زلنا نعتقد أننا نملك النفس عينها طوال حياتنا. ولكن إذا كانت النفس مستقلة عن الجسد، فأين محلها في الجسد؟ تصف الثقافات المختلفة محل النفس في أماكن مختلفة: فالمصريون وأرسطو فضلوا القلب؛ بينما قرر هوميروس أن محل الروح، أو مصدر العواطف، في الرئتين؛ واعتقد الصينيون القدماء أن ثمة مكانا أساسيا في البطن يطلق عليه الدانتيان (أو حقل الإكسير)؛ أما أفلاطون وجالينوس وغيرهم الكثيرون فقد اعتقدوا أن الرأس، أو على الأحرى الدماغ، هي محل النفس. وبالطبع، يستحيل أن يكون كل هؤلاء مصيبين، إلا إذا افترضنا أن النفس منتشرة عبر الجسد كله، وأنها موجودة في كل هذه الأماكن في الوقت نفسه. قد نفاجأ بأن هذه الرؤية هي الأكثر منطقية وعقلانية، إذا ما وضعنا في اعتبارنا أنني عندما أحرق أصابعي، فإنني أشعر بالألم في نفسي وفي الوقت نفسه أشعر بالألم في يدي. إلا أن هذه الرؤية تفترض ضمنا أنني حين أفقد يدا أو ذراعا، فإن نفسي (وليس فقط جسدي) تفقد جزءا منها وأنها الآن أصغر حجما من ذي قبل، وهذه بالتأكيد نتيجة غريبة بعض الشيء.
شكل 3-1: مشهد من فيلم «أين أنا؟» ويظهر في الصورة دانيال دينيت (على اليمين) ودماغ دينيت.
في الوقت الحالي، يرتاح أغلب الناس لتحديد موضع النفس في محل ما داخل الرأس، خلف العينين مباشرة، يطل على العالم. وقد ناقش الفيلسوف دانيال دينيت بعض النتائج الغريبة لهذه الرؤية في قصة قصيرة بعنوان «أين أنا ؟» في هذه القصة، استؤصل دماغ دينيت ووضع على نظام لحفظ الحياة، واستبدل بكل وصلة عصبية زوج من أجهزة الإرسال والاستقبال المصغرة؛ أحدها متصل بالدماغ، والآخر بطرف العصب في جمجمة دينيت الفارغة. بهذه الطريقة، أصبحت الوصلة بين جسد دينيت ودماغه مرنة للغاية؛ فبدلا من امتلاك مساحة محدودة للاهتزاز في القحف، مقيدا بمرونة الأعصاب، يمكن أن يصبح الدماغ الآن على مسافة معقولة من الجسد، مع الاحتفاظ بكل وظائفه وقدرته على الاتصال. تبدأ المشاكل عندما يذهب دينيت فارغ الرأس لرؤية دماغه؛ لأنه ليس مقتنعا أنه هو نفسه موجودا في مكان ما داخل الدماغ. فهو ما زال يعتقد أنه ينظر إلى دماغه الموضوع في برطمان، رغم أن ما يحدث في الحقيقة هو أن دينيت موجود في البرطمان، بينما ينظر إليه جسده.
مقتطفات من قصة دينيت «أين أنا؟»
قلت: «أعتقد أن العملية قد نجحت، أريد الذهاب لرؤية دماغي.» أرشدوني عبر ممر طويل (إذ كنت أشعر بالدوخة والدوار إلى حد ما) إلى داخل مختبر حفظ الحياة. تعالت أصوات التهليل من أعضاء فريق حفظ الحياة المجتمعين، ورددت عليهم بتحية رجوت أن تكون مرحة. استعنت بأحدهم كي يوصلني لوعاء حفظ الحياة، فقد كنت لا أزال أشعر بالدوار. حملقت عبر الزجاج. كان ثمة شيء طاف في محلول يشبه جعة الزنجبيل، إنه بلا شك دماغ بشري، رغم أنه كان مغطى بالكامل تقريبا بشرائح دوائر مطبوعة وأنابيب بلاستيكية، وأقطاب كهربية وغيرها من المعدات. سألت: «أهذا دماغي؟» فرد علي مدير المشروع قائلا: «اضغط مفتاح إرسال المخرجات بجانب الوعاء لترى بنفسك.» نقلت المفتاح إلى وضع «إغلاق»، فسقطت على الفور مترنحا بين أذرع الفنيين، الذين قام أحدهم بإعادة المفتاح إلى وضع التشغيل. وأثناء استعادتي لتوازني وانتصاب قامتي، قلت في نفسي: «حسنا، ها أنا ذا جالس على مقعد قابل للطي، محدقا عبر وعاء زجاجي لدماغي ... لكن تمهل، ألم يكن من الضروري أن أفكر «ها أنا ذا، محبوس في سائل غازي، بينما تحدق في عيناي»؟» حاولت أن أفكر في هذه الفكرة الأخيرة. حاولت أن أنقلها إلى الوعاء، آملا أن يتلقاها دماغي، ولكنني فشلت في أن أحقق هذا. حاولت ثانية؛ «ها أنا ذا، دانيال دينيت، محبوس في سائل غازي، بينما تحدق في عيناي.» ولكن هيهات، لم تنجح المحاولة، إنه شيء محير ومربك إلى أقصى حد. فكوني فيلسوفا مؤمنا بالمادية إيمانا راسخا، كنت أعتقد دائما أن تمثيل أفكاري يتم في مكان ما في الدماغ؛ إلا أنني، عندما أفكر: «ها أنا ذا»، راودتني الفكرة هنا، خارج الوعاء، حيث أقف أنا، دينيت، محدقا في دماغي.
ولكننا لسنا في حاجة لاستخدام سيناريوهات الخيال العلمي على غرار هذا السيناريو كي ندرك أن ثمة ما يقلق حيال اعتقادنا الطبيعي بأن أنفسنا قابعة في أجسادنا. يبدو أننا نسكن أجسادنا، ونمتلكها بشكل من الأشكال. ولكننا نمتلكها على نحو أكثر جوهرية من امتلاكنا للمنزل الذي نعيش فيه؛ فنحن نستطيع العيش دون منزل، أما استطاعتنا العيش دون أجسادنا، فهو على الأقل أمر مشكوك فيه؛ إذ إن الجسد يدعم ويحفظ العقل الذي يعتبر نفسه ساكنا فيه؛ وعلى هذا، يبدو أن النفس هي ذلك الشيء الذي يسكن الجسد الذي يدعم وظائف العقل.
إلا أن شعور الملكية الذي نشعر به تجاه أجسادنا يمكن أن يتولد تجاه أشياء ليس لها علاقة بأجسادنا، أشياء غير حية، وربما حتى أشياء غير موجودة على الإطلاق.
حالة وهم اليد المطاطية مثال بسيط بشكل خاص على ذلك؛ حيث ينظر المريض لشيء غير حي، قطعة من المطاط، كجزء من جسده، ويبدأ في الشعور بهذا الجزء، رغم عدم حدوث أي عمليات بيولوجية في هذه اليد الصناعية. ويمكننا إحداث تأثيرات أشد غرابة باستخدام تكنولوجيا أكثر تقدما. في تجربة طريفة من نوعها، يرتدي المشارك (أ) شاشة مثبتة بالرأس، مكونة من نظارات خاصة تعرض صورة منفصلة في كل عين؛ ومن ثم تعطي المشارك انطباعا بأنه موجود في بيئة ثلاثية الأبعاد. تؤخذ البيانات البصرية المعروضة أمام عيني المشارك من كاميرا مثبتة خلف ظهره. وبالنظر عبر النظارة المثبتة بالرأس، ينتاب المشارك شعور غريب بأنه ينظر إلى ظهره، واقفا على بعد مسافة أمامه (ب ) - تماما كما في لوحة ماجريت الشهيرة.
Shafi da ba'a sani ba