Haƙiƙan Ilimi
حقائق المعرفة
Nau'ikan
وأيضا فإن في خلق الله كثيرا من الأشياء يدق علينا النظر فيها، ويخفى علينا كثير من معانيه، بل إنا نقطع ونقول: إن الله حكيم، ولا يفعل الحكيم شيئا إلا وفيه حكمة أو حكم. وقد يوجد في أفعال العقلاء من المكلفين ما يدق ويخفى على أكثر الناس، وقد حكى الله ذلك من أفعال الأنبياء والصالحين؛ من ذلك ما أخبر الله من أفعال الخضر عليه السلام حيث صحبه موسى عليه السلام وقدم إليه أن لا يسأله عن أمر حتى يبينه له، ففعل فعالا استنكرها موسى ودق عليه ولم يعلم معناها، وذلك قوله تعالى: {فارتدا على آثارهما قصصا ، فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ، قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ، قال إنك لن تستطيع معي صبرا ، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ، قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ، قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ، فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ، قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ، قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ، فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ، قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ، قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا ، قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ، أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا}[الكهف:6482]، فكان هذه الفعال مما دق على موسى عليه السلام ولم يعلمه حتى أعلمه الخضر عليه السلام بتأويله.
وكذلك فعل يوسف عليه السلام جعل السقاية في رحل أخيه، ثم أذن مؤذن: أيتها العير إنكم لسارقون. وهم لم يسرقوا الصواع، وإنما سرقوا يوسف عليه السلام وألقوه في الجب، وقد قيل: إنهم أيضا هم الذين باعوه بالدراهم المعدودة، وذلك أنه لما عرس السفر عند البئر، فأتى رجل منهم يرد الماء، فأطلعه من البئر، وكان إخوة يوسف في جبل قريبا منهم، فلما رأوهم أقبلوا إليهم وقالوا: هو عبد، فباعوه إلى السفر بثمن بخس -كما قال الله تعالى- فكان فعال يوسف عليه السلام ذلك من أمر الصواع مما دق على الناس.
Shafi 195