فهذه [الآيات] قد اشتركت في التوبيخ على اتباع الظن، والإيمان لا يوبخ من حصل له بالاجماع، فلا يكون ظنا.
ومنها: قوله " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا " (1) فنفى عنهم الريب، فيكون الثابت هو اليقين.
إن قلت: هذه الآية الكريمة لا تدل على المدعى بل على خلافه، وهو عدم اعتبار اليقين في الإيمان، وذلك أنها إنما دلت على حصر الإيمان فيما عدا الشك، فيصدق الإيمان على الظن قلت: الظن في معرض الريب، لأن النقيض مجوز فيه ويقوى بأدنى تشكيك، فصاحبه لا يخلو من ريب، حيث أنه دائما يجوز النقيض، على أن الريب قد يطلق على ما هو أعم من الشك، يقال: لا ارتاب في كذا. ويريد أنه منه على يقين، وهذا شائع ذائع.
ومن السنة المطهرة قوله عليه السلام: " يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك " فلو لم يكن ثبات القلب شرطا في الإيمان لما طلبه عليه السلام، والثبات هو الجزم والمطابقة، والظن لا ثبات فيه، إذ يجوز ارتفاعه.
وفيه منع كون الثبات شرطا في تحقيق الإيمان، ويجوز (2) أن يكون عليه السلام طلبه لكونه الفرد الأكمل، وهو لا نزاع فيه.
ومن جملة الدلائل على ذلك أيضا الإجماع، حيث ادعى بعضهم أنه يجب معرفة الله تعالى التي لا يتحقق الإيمان بها إلا بالدليل إجماعا من العلماء كافة، والدليل ما أفاد العلم والظن لا يفيده، وفي صحة دعوى الإجماع بحث، لوقوع الخلاف في جواز التقليد في المعارف الأصولية، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
Shafi 57