ونظر الدكتور إلى كعب محفوظ أفندي، في حركة آلية يفعلها أي طبيب، حينما يتأوه إلى جانبه مريض ويشكو من جزء في جسمه. ورأى الدكتور شيئا على الأرض، ولم يصدق عينيه أول الأمر، فأغمض عينيه وفتحهما، ثم أعاد النظر مرة ومرتين وثلاثا، ولم يشعر إلا وهو يقفز من فوق كرسيه كالمجنون، وصاح في وجه محفوظ أفندي قائلا: إيه ده؟
ونظر إليه محفوظ أفندي في تعجب، وقال في بلادة: «كعبي.» وقال الدكتور: «إيه اللي تحت كعبك ده؟»
وقال محفوظ أفندي، وهو يأخذ مسبحته من الدرج، ويغلق أدراج مكتبه: «ولا حاجة، دول شوية دوسيهات حطيتهم تحت كعبي، يحوشوا عني رطوبة البلاط.»
وأخرج الدكتور الدوسيهات من تحت المكتب، وفرزها بسرعة ثم تهلل وجهه فجأة، وهو يمسك بأحد الدوسيهات، وصاح: «آهه! الدوسيه بتاعي يا راجل يا مجنون! بقى تدوخني ثلاث شهور والدوسيه بتاعي تحت رجليك! مستقبلي كله تحت رجليك! أما معتوه صحيح!»
وبربش محفوظ أفندي من تحت نظارته السميكة، وقال في برود: «اسكت يا دكتور، اسكت ده ربنا!»
وقال الدكتور في دهشة: «إيه؟ ربنا قالك تحط الدوسيات تحت رجليك؟!»
وحرك محفوظ أفندي حبات مسبحته في خشوع، وقال: «لا يا دكتور، ده ربنا زي ما قلت لك قادر على كل شيء، مش قلت لك إن ربنا يمكن يظهره كده فجأة على وش الدوسيهات! يا سلام، ياما انت كريم يا رب!»
ومات الحب
كنت أجلس على حافة السرير بجواره وهو نائم، عيناه مغمضتان، عيناه الحبيبتان اللتان كنت أنظر فيهما فتشرق الدنيا في عيني، عيناه السوداوان يكسو بياضهما دائما حمرة خفيفة، تضفي على نظراته قوة، وصدق عاطفة. وملامحه كلها نائمة غائبة في ملكوت آخر.
ومددت يدي في رهبة، وتحسست جبينه، وسرت في جسمي قشعريرة باردة، وانتقلت أصابعي في غير وعي تتحسس خديه، وأنفه، وشفتيه وجفنيه، ولم أدر كيف اشتقت لأن أنظر في عينيه، لأن أرى ولو لمرة واحدة سواد عينيه الحبيب، الذي كنت أنظر فيه، فأرى الدنيا بأسرها تشرق وتبتهج. ووجدت أصابعي تفتح الجفنين في تهيب، وانحسر الجفنان عن عينيه، ورأيت سوادهما نائما غائما، ليست فيه حياة، وليست فيه دنيا تشرق، وليس فيه أي شيء. سواد ميت غارق في بياض ميت، شيء كروي أسود! جماد!
Shafi da ba'a sani ba