وسكت قليلا لأفكر، وكنت في حاجة إلى شيء يريحني من عذابي، ويخمد تلك الكلمة التي تتردد في أعماقي: كرامة! تلك الكلمة القوية الطاغية التي تسحقني سحقا: كرامة!
وأردت أن أخفف رأسي من ثقله، وقلبي من لوعته، فقلت له وأنا أستعين بكل ما في نفسي من شجاعة وقوة: إني آسفة يا ضياء، لا أستطيع أن أراك مرة أخرى!
ووضعت السماعة في مكانها، وعدت إلى فراشي خفيفة، كأنما فقدت نصف وزني، ووضعت رأسي على الوسادة، رأس هادئ مستقر، وبحثت عن تلك الكلمة الجبارة، التي ترن في أعماقي فلم أجدها، لا أدري أين اختبأت مني، وابتسمت لنفسي في زهو وانتصار وقلت: جبانة! جبانة تلك الكلمة التي اسمها كرامة!
الطريق
- لا أريد أن تحبني، أرجوك ... أنا لست فاضلة كما تظن.
قالت هذه الكلمات، وهي تجلس معه على شاطئ النيل، وتفصل بينهما مائدة صغيرة، عليها زجاجة بيرة مثلجة وكوبان فارغان، وطبق مشهيات «أورديفر» كبير.
ولم يرفع عينيه إليها، مد يده إلى زجاجة البيرة، وملأ الكوبين، ثم ناولها واحدا، وأخذ لنفسه الأخير، وقال وهو ينظر في عينيها، ويقرب كوبه من كوبها: «في صحتك ... وسعادتك.» وصمت قليلا ثم قال: سعادتنا!
وقربت «ليلى» الكوب من شفتيها وأخذت رشفة، وسرت البيرة المثلجة في جوفها الساخن فأنعشتها، وبددت شيئا من ذلك الوجوم الذي كان يملأ نفسها، والتفتت ناحية النيل وهامت نظراتها الشاردة على صفحته السوداء الرقيقة، وهي تمر بين صفين طويلين متقطعين من النور الأخضر الفاتح؛ صف فوقها ثابت واضح، وصف تحتها يهتز ويتعرج كلما هبت نسمة رقيقة، وتمطت، وتنفست، وابتسمت، ثم قالت: إنني أحب الليل.
قال وهو ينظر في عينيها: وأنا أحبك أنت!
وضحكت، ومالت برأسها إلى الوراء، وعاد يقول لها: أهكذا أصبح الحب عندك مهزلة؟
Shafi da ba'a sani ba