يا للمفاجأة! كادت تفلت من بين شفتيه آهة دهشة وانزعاج، وهم أن يرفع رأسه عن الدفتر بحالة عصبية تنم عما يضطرب في صدره، ولكنه ذكر تحرج الموقف واشتماله على ما يهدد بالويل، فصر بأسنانه وأحنى رأسه حتى كاد يلمس الصفحة المبسوطة أمامه ليخفي معالم وجهه عن القاعد تجاهه.
إذن هذا هو الزوج المنكوب، وقد أصيب بما كانت تشفق زوجه عليه وعليها منه .. ترى كيف كان وقع البلاء على نفسيهما .. كيف اكتشف المرض وكيف تحسس مصدره .. وماذا جر ذلك على حياتهما الزوجية، وأين يا ترى المرأة الآن .. وكيف قرعتها الفضيحة وكيف تتجرع عواقبها؟ ليته يعرف كل شيء.
أما الآن فما عليه إلا أن يؤدي واجبه. وخطا بالفعل نحو الحجرة الداخلية، ولكنه سمع المهندس يقول له بلهجة حزينة: إني أخشى يا دكتور أن تعقب هذا المرض مأساة أليمة.
فسأله وهو ما يزال شارد اللب: ولمه؟ - لأني زوج .. ورب أسرة.
فقطب الطبيب جبينه وبدت عليه آيات الدهشة، وفهم الرجل دهشته على غير حقيقتها فقال: هكذا ترى أنه ليس العزاب فقط هم الذين يأثمون. - أتعني أن زوجك مهددة؟ - طبيعي يا دكتور .. إن موقفي غاية في الحرج .. والذي يضاعف لي الآلام أنها سيدة طيبة لا تستحق أن تجزى هذا الجزاء السيئ .. فما العمل؟
يا عجبا .. لقد وضح وبرح الخفاء، كلا الزوجين آثم، وكل منهما ينحي باللائمة على نفسه. وكاد يستسلم لتيار أفكاره لولا أن سمع الرجل يلح عليه في السؤال ويكرر قائلا: ما العمل يا سيدي الطبيب؟
فقال له: بالحكمة تستطيع أن تصرف الأمور المعقدة إلى خير العواقب؛ فحاول أن تصحبها إلي من غير أن تثير شكوكها.
فبدت على وجه الرجل الحيرة، وقال وهو ذاهل عن نفسه: أحاول.
وحدث الطبيب نفسه بعد أن غاب المهندس عن ناظريه: إن الله يريد الخير بهذه المرأة .. وكأن الأمور تسير وفق مشيئتها، فسيأتي بها إلي، وأكشف عليها وأعلنه بإصابتها، فيوقن في نفسه أنها ضحيته دون سواه، ويبرآن على يدي ويعود الرجل بزوجه رافعا يديه حمدا لله وطلبا لغفرانه، وهو يجهل أن زوجه فرطت في حقه أضعاف ما فرط في حقها .. فيا لرحمة الله!
ولكن أليس من الظلم أن يغشى الله بستره خبيئة هذه المرأة الآثمة؟
Shafi da ba'a sani ba