Hallaj
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
Nau'ikan
وأخذ الوزير حامد يحضر الحلاج كل يوم إلى المحكمة، مكبلا بالقيد، محاطا بالجند، ويبدأ الجدل والحوار، ويحاول حامد أن يجد في كلام الحلاج منفذا أو سقطة - كما يقول ابن كثير - فأعجزه ذلك.
وتتابعت الأيام، وتوالت الشهور، وشاهد يأتي وشاهد يذهب، والحلاج كالجبل الأشم، تتساقط على أقدامه اتهامات المبغضين، ويذوب أمام بيانه وإيمانه جدل المجادلين؛ بل لقد استطاع الحلاج في محنته أن يكتسب كل يوم أنصارا أقوياء، وعلماء أجلاء. (2-3) بطولة ابن عفيف
وقصة محمد بن عفيف مع الحلاج تقدم لنا صورة مشرقة من انتصارات الحلاج الروحية العجيبة؛ فقد أرسله إليه الخليفة في سجنه ليجادله، وكان ابن عفيف كما يقول - ماسنيون - أشعريا متطرفا، وعالما لا يثبت لجدله أحد من الناس.
يقول ابن عفيف: إنه دخل على الحلاج فرأى نورا يتلألأ على جبينه، ووجد اطمئنانا يشيع الأمن والسلام في كل شيء يحيط به، حتى لقد خيل إليه أن غرفة الحلاج في سجنه قطعة من الجنة. ورأى عالما على كلامه إشعاع ليس من علم الأرض، فقبل يد الحلاج ورأسه، وهتف: لم أر في حياتي عالما ربانيا سوى هذا الشهيد، وأبى أن يفارق حجرة السجن، وطلب أن يبقى معه؛ ليقاسمه ما يلقى، وعجزت سياط الجلادين عن إقناعه.
يقول ابن كثير: «فحمل بالقوة إلى حجرة أخرى، وعلق من قدميه إلى السقف.»
وانصب على ابن عفيف جانب ضخم من الهول الذي ذاقه الحلاج، وكان يقول: حسبي أن أشارك عبدا ربانيا في عذابه، وظل معه في سجنه يقاسمه الألم والعذاب، حتى يوم مصرعه الرهيب. (2-4) عجائب الحلاج في سجنه
وبينما هذه المهزلة الرسمية تجري، وبينما قلب بغداد يخفق لها، وأذن العراق تستمع إليها.
أخذت أحداث أخرى تجري في سجن الحلاج، أحداث شقت طريقها إلى قلب بغداد، فألهته حتى عن المحاكمة، ونفذت إلى أذن العراق، فأطربته وأذهلته، وطارت باسم الحلاج في الخافقين.
تلك الأحداث التي ألقى الناس إليها بأسماعهم هي عجائب الحلاج وسحره إن شئت، وكراماته وآياته إن أحببت.
آيات سجلها التاريخ، ومن العجيب حقا أنها سجلت بأقلام خصومه، لقد أذهلتهم حتى لم يستطيعوا حجبها أو محوها من ذاكرة التاريخ، كما استطاعوا أن يحجبوا وأن يمحوا الكثير من سيرة الحلاج وتراثه وأيامه.
Shafi da ba'a sani ba