بقوة اليأس نفسه توثب للدفاع المستميت. لم يحزن لحبه الضائع بقدر ما خاف على «مركزه». قال: أنت شاب سيئ الظن، ماذا شاهدت؟ ماذا شاهدت يا مسكين؟ ولكن هكذا هم المحبون، طالما عاملتها كابنة من صلبي، علاقة هي البراءة نفسها، كم أخشى أن تكون قد أسأت إلى سمعتها بلسانك وأنت لا تدري ولا تقصد!
فقال الشاب ببراءة وحزن جليل: إني أعرف متى وكيف أكتم أحزاني وأحافظ على سمعة من أحبهم!
فقال وهو يتنهد: أحسنت .. أحسنت ..
ثم وموجة من الأسى تجتاحه:
من شدة رد الفعل، والشعور غير المتوقع بالنجاة اضطربت معدته فغزاه إحساس بالغثيان قال: مثلك يستحق أن يسعد بمن يحب ..
مضى عنه معذبه. بقي وحده مع حزنه. وتجسد الحزن وتهول فصار كالقدر نفسه. وأعاد إليه ذكرى حزنه القديم في الليالي الطويلة. وقال لنفسه إن الحياة لو تقيم بحظها من السرور فإن حياته تعتبر ضياعا وهباء. لم يقتضينا الجلال هذا الشقاء كله؟!
28
دعا أنسية إلى مقابلته في صحراء الهرم صباح الجمعة. هيأ للقاء تلك المرة بحذر أشد من المعتاد، فدس لها ورقة سمى فيها الميعاد وخط السير على أن يذهب كل منهما منفردا. كان صباحا من أصابيح الشتاء الجاف البارد ولكن أشعة الشمس كستهما كساء دافئا ومنعشا. وكان يرنو إليها طيلة الوقت بحزن صادق رغم اقتناعه بأنه يقوم أساسا بتمثيل دور قاس وقذر. ومن أول الأمر بدت الفتاة قلقة على غير عادتها، وقالت له: شعرت بشيء غير عادي فانقبض قلبي ..
فقال لنفسه إن للمرأة غريزة تغنيها عن العقل في معرفة شئونها الصميمة. وإنه لو كان للإنسان عموما غريزة مثلها لمعرفة المجهول لما ظل مجهولا حتى الآن. واشتد حزنه وهو يقول: الحق أن الأمر يستحق التفكير. - أي أمر تقصد؟ - علاقتنا الحميمة المقدسة. - ماذا عنها؟ - لعلك عجبت من صمتي، ناقشنا كل شيء إلا الجوهر، ولم تدركي طبعا أنني كنت أحترق وأتعذب طيلة الوقت ..
فلمست ذراعه بإشفاق وقالت: أعترف لك بأن قلبي يزداد انقباضا! - وأنا أعترف بأنني رجل أناني.
Shafi da ba'a sani ba