Hadisi Isa dan Hisham
حديث عيسى بن هشام
Nau'ikan
خامسهم :
ما أسخف الرأي وأضعف الفكر، ومن ينكر أن خدمة الحكومة على كل حال هي أعلى قدرا وأرفع شأنا من بقية الحرف والصناعات، وكل أسباب المعايش لا تخلو في هذه الدنيا من المتاعب والأكدار، ولكن خدمة الحكومة أهونها حالا وأقلها عناء، ولا يفضل عليها الاشتغال بالتجارة إلا من كان قليل التبصر في الأمور، ويكفيك برهانا على ما أقول أنك تستخدم التاجر وتسخره ما دام درهمك في يدك، ولكن التاجر في حاجة أبدا إلى أصغر موظف في الحكومة، وإن كان من أغنى الأغنياء، ولو تراهم إذ يفتخرون بينهم بزيارة الكاتب ومجالسة المعاون وتحية القاضي ومخاطبة المدير، لعلمت أن خدمة الحكومة بلغت في أعينهم وأعين بقية الطبقات مبلغا عظيما من الشرف والرفعة، بحيث لو خيرت أحدهم بين الخروج عن ماله وعقاره وتجارته وأطيانه وبين الدخول في صف الموظفين بالحكومة لخرج من كل ذلك خروج السهم من قوسه والأرقم من جلده، ولحكم بأن السعادة كل السعادة فيما تعده أنت شقاء وبلاء وتعتبره ذلا وهوانا.
سادسهم :
على رسلك أيها القاضي لا تعكس القضية، ولا تقلب الحقيقة، ولا تحمل ما تراه في أخلاق أهل التجارة والصناعة والزراعة من الاستهانة بحرفتهم والاستعظام لأهل الحكومة على أن حرفتهم خسيسة في ذاتها، بل ذلك حادث فيهم من جهلهم وضعف إدراكهم ، وإلا فلو تخلى أحدهم عن طبقته، ودخل في طبقتنا يوما لأدرك في الحال ما كان فيه من نعمة الاستقلال في العمل والحرية في الرأي، ولعلم أن الموظف قد باع للحكومة حريته ووهب لها نفسه تتصرف فيها تصرف المالك في ملكه مقابل مقدار من المال يعد لأجله ساعات اليوم وأيام الشهر، ويربحه الواحد من أولئك الجاهلين بأحوالنا في يوم واحد وهو أمير نفسه وسيد أهله، ويا ليت آباءنا كانوا انتبهوا إلى تعليمنا الصنعة وتمريننا على التجارة، ولكن بئس ما صنعوا وبئس ما خلفونا له، ولو أنهم كانوا أدركوا ما انتهت إليه حال الخدمة في الحكومة اليوم، ولم يغتروا بما كان للحكام في الأزمان السالفة من الصول والطول والقوة والحول، واكتساب المال من الجاه، ولو علموا أنه سيأتي زمان على هذه الحكومة التي كانوا في أيديها كالأيتام في يد الوصي يكون أرباب المناصب فيه كالأطفال في حجر المرضع؛ لعضوا الأنامل ندما ولأرسلوا بدل الدمع دما على ما فرطوا في أمرنا وأهملوا في شأننا.
الخامس :
إنك لتتكلم بكلام العجائز اللائي يقنعن من دهرهن بالخسيس من الملبس والمطعم، وأين أنت هداك الله من طلب المعالي وابتناء المفاخر، وتشييد المجد وخدمة الوطن وارتقاء المناصب للقدرة على النفع والضرة، وأين أنت من قول الشاعر الحكيم:
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة
كفاني، ولم أطلب قليل من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثل
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
Shafi da ba'a sani ba