هل هناك أسباب سياسية؟
لا ريب أن الغزالي باعتباره من أكبر رجال «الفتيا» في عصره قد ساهم بعض المساهمة في أحداث الدولة السياسية، لا سيما وعصره من العصور المضطربة التي ساهم فيها الفقهاء والقضاة مساهمة كبرى في الأحداث السياسية.
وقد ذكر ابن خلدون في مقدمته أن يوسف بن تاشفين أمير المغرب بعد أن أعان سادة الأندلس على قهر «ألفونس» ملك قشتالة طمع في الأندلس، فألحقها بملكه بعد استفتاء علماء العالم الإسلامي فأفتوه بحقه في ذلك، ومنهم الغزالي، بل لقد أفتوه أيضا بجواز تلقيب نفسه ب «أمير المؤمنين»، وفي هذا إغضاب؛ أي إغضاب لسادة بغداد!
ويذكر ماكدولاند أيضا أن الخليفة المستظهر أمره بأن يضع كتابا يرد به على الباطنية، حينما وضحت أهدافهم السياسية، فنادوا بفكرة «الإمام المعصوم» على طريقة الشيعة.
وقد اعترف الغزالي بأنه هاجمهم مكرها؛ لأنه تلقى أمر الخليفة فلم يسعه مدافعته، ثم قيل بعد ذلك بأن ما كتبه أغضب الخليفة؛ لأنه كان أقرب إلى تأييد الباطنية من مهاجمتهم وتفنيد مذاهبهم!
ولكن اعتراف الغزالي لا يرضي النقد العلمي في توضيح أسباب عزلته، كما أن رأي العلامة ماكدولاند لا يلقي ضوءا كافيا يستريح إليه ضمير الباحث الذي يتحرى الحقائق، إلا إذا كانت ترضيه دعوى بعض علماء عصره بأن ما حدث للغزالي إنما هو عين أصابت الإسلام فيه.
الدوافع الحقيقية لعزلته
فهل حقيقة أن الغزالي اعتزل التدريس لأنه - كما يقول - لم تكن نيته فيه خالصة لله، بل باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت؟ أم أنه اعتزل التدريس والحياة لتحول وجه الخليفة عنه بتحيزه إلى يوسف بن تاشفين أمير المغرب؟
إننا في حاجة إلى كثير من السذاجة لنصدق الغزالي؛ إذ يقول في سذاجة إنه ترك التدريس؛ لأن نيته فيه غير خالصة لوجه الله، وإنما باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت.
وهل هناك نفس بشرية تجردت تجردا كاملا من هذا الباعث والمحرك، أو تحاسب على هذا الباعث والمحرك؟ وما معنى أن نيته فيه لم تكن خالصة لوجه الله؟ هل أجبر الغزالي على أن يلقي دروسا معينة تتعارض مع روح الإسلام؟!
Shafi da ba'a sani ba