Fiqh Principles: Authenticity and Guidance
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه
Nau'ikan
مثال للحيل في البيوع
هناك بيع يسمى: بيع العنية، وهو مما له علاقة بقاعدة: العبرة في العقود بالقصود والمعاني، لا بالألفاظ والمباني.
وصورته: أن يأتي المشتري -وهو ليس بمشتر- إلى رجل لديه أموالًا طائلة، ولا يتق الله في إخوانه، ولا يقرض القرض الحسن، فيأتيه الرجل المحتاج فيقول: أقرضني ألفًا، فيوافق على أن يقرضه ألفًا؛ بشرط أن يردها ألفًا وعشرين، فقبل الرجل المحتاج لهذا الشرط، وحتى لا يظهر هذا التاجر بمظهر الربا فإنه يحتال على ذلك ويقول لهذا المقترض المحتاج: سوف أبيعك سلعة بألف نسيئة، وخذها واقبضها؛ لأن النبي ﷺ قال: (لا يحل لأحد أن يبيع شيئًا إلا أن يقبضه)، فيوافق هذا الرجل الشرع ظاهرًا، ثم يقول للمقترض: سوف آتيك في اليوم التالي فأشتريها منك بسبعمائة أو بثمانمائة، واتفقا على ذلك، وهذه هي صورة من صور العينة.
فالبيع في الظاهر صحيح؛ لوجود الإيجاب والقبول مع التراضي بين الطرفين.
وهذه هي التي قال فيها جمهور أهل العلم: إنها محرمة، خلافًا للشافعي، فإنه يقول: إن هذه محرمة إذا كان الشرط مسبقًا، أما إذا كان الظاهر أنه اشترى ثم بدا له بعد ذلك البيع فباع منه، فهذا يصح.
وهذا هو الصحيح الراجح، فهي ليست من العينة وهذه المعاملة تصح، وهذا الذي ألمح إليه شيخ الإسلام؛ لأن العلة النظر للمقاصد، فإن كان لا يقصد أن يتحايل صح البيع، أما جمهور أهل العلم فيقولون: إنه اشترى السلعة وهو لا يريدها، إنما يريد المال، وذاك باع السلعة وهو لا يريد بيعها، إنما يريد القرض، لكنه لم يسمه قرضًا، حتى لا يكون قرضًا جر نفعًا، فيقع في الربا، ولذلك سماه بيعًا.
وبالنظر إلى القاعدة الفقهية التي استقيناها من حديث النبي ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات) وهي العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، وليست بالألفاظ والمباني، فإن قال له: بعتك، وقال الآخر: اشتريت أو قبلت، فنقول: هذا لا عبرة به، والعبرة بالبواطن، وقد دخلت السلعة في القرض، وهذا قرض قد جر نفعًا، فلا يصح، ويكون هذا من باب التحايل على الربا، وتدخل تحت طائلة الأثر: (يستحلون الربا بالبيع)، فسموه بيعًا وهو في الأصل ربا؛ لأن العبرة في العقود بالمقاصد، فيبطل هذا البيع ويكون مفسوخًا.
3 / 7