معنى التضحية
في كل ما تقوم عليه المثل العليا في الأخلاق، وهي التي يظهر أثرها المباشر في العمليات، لا يحتاج الإنسان إلى شيء أكثر من أن يفهم معنى التضحية، وأن يجعل لهذا المعنى أثرا في أعماله وتصرفاته، على أننا مع الأسف لم نعرف بعد ما هي التضحية، ولم نفقه كيف يمكننا أن نجعل لها أثرا في أعمالنا.
خذ أبسط الأشياء احتكاكا بالحياة، خذ حب النقد للوصول إلى الحقيقة، فإنا لم نعرف بعد من النقد، إلا أنه وسيلة للعداء هي أقرب الوسائل، وطريقا للتنابذ هي أسهل الطرق، فإذا أردت أن ترمى بالسخافة فانتقد الأدباء، وإذا أردت أن توسم بالجهل، فانتقد العلماء، وإذا أردت أن تموت جوعا، فانقد أعمال حزب الأغلبية في مجلس النواب.
الاعتداء الذي توقعه الأمم القوية على الأمم الضعيفة ليس بأكثر من تكرار لفعل طبيعي أتاه الإنسان، بحكم نزعته الحيوانية، عدة ملايين المرات.
فالإنسان قبل زمان التاريخ لم يفز بغذائه وبزوجه، بل وبحياته نفسها، إلا من طريق الاعتداء على ما يملك غيره من حق أو حطام. وفي ظني أن قول الشاعر: «ومن لا يظلم الناس يظلم»، فيه تعبير حق عما في الإنسان من هذه النزعات الغريبة.
وعلى أية من القواعد نحاول اليوم أن نحول دون اعتداء القوي على الضعيف، وهذا أمر يكاد يكون في حكم السنن الطبيعية الثابتة.
غير أننا لا نريد أن نتساءل في هذا، بل نتساءل: لماذا يسلم الضعيف بحقه تسليم تفريط إن كان في مستطاعه الدفاع ولو إلى حين؟ أظن أن السبب في هذا راجع إلى أن الضعيف يقدر الحياة أكثر مما يقدر الحق، على أنه لو قدر الحق ولو قليلا لاستطاع أن يرد كثيرا من عاديات الغاصبين.
قلب الأمثال
من الأشياء الجارية على ألسن الناس ما لو قلبت معناه لخرجت منه بمعنى فيه روعة جديدة، بل روعة تبز روعته الأصلية الجارية على ألسن الناس. فالناس يقولون: «الحق للقوة.» فإذا قلت مثلا: «القوة للحق.» وقعت على معنى أسمى من المعنى الأول، وأجدر بأن يكون المحرك الأول لقوى الجماعات.
على أن كثيرا من الناس، يتشككون في المعنى المدرك من قلب الأمثال السائرة. والسبب في هذا أن الناس بطبيعتهم نزاعون إلى التأثر بالماديات؛ فالقوة مادية، والحق معنوي، لهذا يعتقدون بصحة الأول، ولا يدركون للثاني إلا معنى مجردا غير ماثل أمامهم.
Shafi da ba'a sani ba