أريد فلا أعطى وأعطى ولم أرد
وأمسي وما أعقبت إلا التعجبا
فكيف به يكون حرا؟
أفهم أن تكون الحرية معقولا نسبيا لا غير، أما الحرية المطلقة التي نشدها خياليو الزعماء في الثورات الكبرى، فهي أكبر الأكاذيب التي استغوت الجماعات منذ أبعد العصور.
فوضى الأدب
الفوضى القائمة في الأدب العربي، ليست في الواقع إلا صورة من الفوضى العامة التي تملكت أفكار أهل الشرق بعد الحرب العالمية، غير أني لا أستطيع أن أدلي برأي في فوضى الاقتصاد أو المال، على الرغم من أني أعتقد بأن الفوضى لم تقف دونهما، كذلك لا أستطيع أن أدلي برأي في فوضى السياسة الشرقية عامة، غير أني إن أردت أن أتخذ للسياسة الشرقية عنوانا هو سياسة مصر، أيقنت بأن الفوضى في سياسة ممالك الشرق بالغة مداها الأقصى.
كذلك لا أستطيع أن أتكلم في فوضى الأدب بصورة عامة، إذن وجب علي أن أحدد موضوعي فأدلي برأيي الذي أراه في فوضى الأدب، من حيث تعدد الأساليب.
يعتقد الكثيرون في مصر، مركز النهضة، أستغفر الله، لا النهضة الأدبية وحدها، بل النهضة «العلمية» في أنحاء الشرق، ولمن يعتقدون هذا الاعتقاد أكبر العذر فيما يعتقدون به، غير أني لا أعرف إذا جاريتهم على اعتقادهم في أي شيء تنحصر مظاهر النهضة العلمية والأدبية في كل شيء. حسن، لنقل معهم في كل شيء ؛ تخلصا من متاعب البحث ، ولكن لننظر في ناحية بعينها من نواحي النهضة الأدبية، ولندع بأن من مظاهر النهضة الأدبية تعدد الأساليب العربية.
إن تعدد الأساليب - ولا شبهة - دليل على الرقي الأدبي وعلى الإكباب على المطالعة والدرس، غير أني أرى في تعدد الأساليب روحا فوضوية غريبة؛ لأن تعدد الأساليب في أول ما يدل عليه، انتهاج لطرق في التعبير تختلف عن الطرق التي انتهجها القدماء. وهذا حسن إلى حد ما، ولكن الفوضى آتية من ناحية أننا لا نبالغ في احتذاء الأساليب العربية المنتقاة، فلكل لغة أساليبها الراقية، ولكل منها مثاليتها الأسلوبية. وبالقياس على هذه الأساليب يكون بعدنا أو قربنا من المثل العليا في أسلوبه الإنساني إذا صح هذا. وإذا صح لنا أن نتخذ هذه النظرية قاعدة، خشيت أن أقول إننا في هذا العصر أبعد عن أن نحتذي الأساليب المنتقاة التي جرى عليها حتى أدباء العصر القريب.
أما نزعة بعض الكتاب إلى احتذاء الأسلوب العامي في الكتابة العربية، ودفاعهم عن هذه الطريقة السفلى، فلا سبب له عندي، إلا العجز، وهم في نظري أكبر الدجاجلة الذين نبتوا في تربة الأدب، كما نبتت الطفيليات حول الغرس النافع، بلا حاجة إليها.
Shafi da ba'a sani ba