2- ومن الموضوعات التي كتب فيها بمجلته فيما بعد موضوع "الخطابة، وأثرها في تاريخ الإسلام"، وفائدتها في تهذيب الشعب وتربيته، ورأى أن خطب الجمعة ميتة لا تمت إلى الحياة التي يحياها الناس بصلة, وتتكلم في أمور بعيدة عن مشكلاتهم الاجتماعية والخلقية والسياسية كل البعد1، واقترح أن يحضر خطب الجمعة فئة من ذوي الفكر السديد والرأي الرشيد، وتوزعها الحكومة على خطباء المساجد, وتبرع هو فوضع نموذجا لخطبة منبرية، ضمنها الحث على الاهتمام بشئون البلاد والمحافظة على حقوقها, والدعوة إلى الائتلاف للتغلب على الخصم الأجنبي، وعلى الأخطار التي تحدث بالوادي، والاتحاد بين المسلمين والأقباط، والتذكير بمجد مصر السابق، ومعاملة الأجانب بالحسنى حتى لا تتخذ # سوء معاملتهم ذريعة للتدخل الأجنبي، وغير ذلك من الأمور التي يرى أن الحاجة ماسة إلى التكلم فيها لأول عهد توفيق، ومن قوله في أثر الخطابة وفائدتها:
"ألسن الخطباء تحيي وتميت، وحكمة إذا عقلت معناها وقفت على سر الخطابة حكمة حدوثها، وعلمت أنها للعقول بمنزلة الغذاء للبدن، وكانت الخطابة في الأعصر الخالية غير معلومة إلا في أمتي العرب واليونان، فكانت ساحتها في جزيرة العرب عكاظا، ومنابرها ظهور الإبل، وهذه الساحة كانت معرضا للافكار, تجتمع فيه الخطباء والبلغاء والشعراء وأمم كثيرة من المجاورة للجزيرة؛ فيرقى الخطيب ظهر ناقته, ويشير بطرف ردائه، وينثر على الأسماع دررا وبدائع، ثم يباريه آخر, ويعارضه غيره, فتتضارب الأفكار, وتتنبه الأذهان, وتحيا الهمم، وتتحرك الدماء، ويرجع كبار القبائل وأمراؤها لما يشير إليه الخطيب إن صلحا وإن حربا، ولم يقتصروا في خطباتهم على مسائل الحرب والصلح، بل كانوا يخوضون بحار الأفكار, فلا يتركون ملمة إلا شرحوها، ولا يذورون فضيلة إلى حثوا عليها، حتى إنهم كانوا يحفظون أسماء الحكماء منهم, وأهل المآثر فيذكرونهم في هذا المعرض إحياء لتذكارهم, وتخليدا لأسمائهم؛ لئلا يجهل الآتي سيرة الماضي فتفتر الهمم، وتخمد الدماء, وتتغير الطباع".
Shafi 327