102

Fath Carab Li Misr

فتح العرب لمصر

Nau'ikan

30

ولو أردنا لأتينا بغير هذه الأخبار، ولكن حسبنا ما أوردناه منها؛ ففيه الدلالة على ما كان عليه عمرو بين الرجال. فإذا نحن قرنا بعض خلاله إلى بعض رأينا أنه كان قوي الجسم ذكي العقل، تجيش نفسه فتدفعه، وله قوة من عزمه كالحديد إذا عزم، وكان شجاعا لا ينكل، ولكنه كان يؤثر الأناة، ويعلم أن الرأي أول والشجاعة في المحل الثاني، وكان في أمر الدين والعبادات على تقى وصلاح. وإذا كانت مطامع هذه الدنيا غررت به في بعض أيامه وعصفت بقلبه، فقد بقي فيما عدا ذلك شريفا نبيل النفس. وكان في العلم على ما كان عليه أهل عصره، وعرف بين العرب بأنه من أحدهم ذهنا

31

ومن أكملهم عقلا. وكان يحب الغناء حبا جما ويقبل عليه، ويطرب للشعر. وكان خطيبا بليغا، وله خيال خصب. فاجتمعت فيه صفات المحارب، والشاعر، وجواب الآفاق، والرجل الصالح. فكان واضح الباطن والظاهر، نبيل المقاصد والفعال، وكان محببا مؤلفا، يملك قلوب الناس ويستهوي أفئدتهم، شأنه في ذلك شأن عظماء الرجال الذين يخلب حبهم أفئدة الناس، فإذا إعجابهم ولاء وإخلاص.

هذه صفة القائد الذي جاء في فرسان أربعة آلاف بايعوا أنفسهم على نزع مصر من يد القياصرة.

الفصل الخامس عشر

أول الحرب

نذر أهل مصر بغزوة العرب، وسمع المقوقس (قيرس) بسير هؤلاء الأعداء أولي البأس، وكان قبل ذلك قد أعد شيئا من وسائل الدفاع؛ فحفر خندقا حول حصن بابليون العظيم بقرب ممفيس، وزاد في تحصين الحصون الأخرى، ورمم أسوار كثير من المدائن التي كانت غزوة الفرس هدمت منها.

1

وليس من الصدق قول القائل إن «قيرس» اشترى العرب فصرفهم عنه بجزية وعدهم بها، وقد قال هذا الخبر أو أشار إليه المؤرخ «تيوفانز».

Shafi da ba'a sani ba