قال أبو عبيد (^١): ومعنى الحديث: أنه لا ينبغي لحامل القرآن أن يرى أنَّ أحدًا من أهل الأرض أغنى منه، ولو ملك الدنيا برحبها، ولو كان وجْهه ما تأوله بعض الناس من الترجيع بالقراءة وحسن الصوت لكانت [العقوبة] (^٢) قد عظمت في ترك ذلك أن يكون من لم يرجع صوته بالقرآن فليس من النبي ﷺ، قال: وتقول العرب وتغنيت تغنيًا وتغانيت تغانيًا بمعنى استغنيت.
قال الأعشى:
وكنتُ امرأً زمنًا بِالعِراقِ … عفيفَ المُنَاخِ طَويلَ التَّغَن (^٣)
يريد الاستغناء.
وقال آخر (^٤):
كِلانَا غَنِيٌ عن أخيهِ حياتَه ونحن إذا مِتْنا أشدُّ تغانيًا
قلت: ولو كان معنى الحديث ترجيع الصوت للزم أن يكون النبي ﷺ وأصحابه كانوا يقرؤون ترجيعًا، إذ قال: «ليس منا من لم يتغن». أي: نحن نتغنى بالقرآن فمن لم يفعل فقد خالفنا وخرج عن جماعتنا وهذا باطل، فقد نعتت أم سلمة قراءة رسول الله ﷺ فوصفت قراءةً مفسرةً حرفًا حرفًا (^٥).
(^١) غريب الحديث لأبي عبيد ٢/ ١٧١.
(^٢) قوله: [العقوبة] في (ب) [العرب].
(^٣) من قصيدة يمدح فيها قيس بن معد يكرب الكندي. ديوان الأعشى ص ٢٥.
(^٤) البيت للمغيرة بن حَبْنَاء التميمي في الحماسة البصرية ٢/ ٥٥، واللسان (غنا) ١٥/ ١٣٧، والمغني برقم ٢٠٤
(^٥) رواه أبو داود في سننه/ باب استحباب الترتيل في القراءة برقم ١٤٦٦، ٢/ ٧٤.